قال مصدر فرنسي مسؤول رفيع المستوى ل «الحياة» إن الرئيس نيكولا ساركوزي يعمل مع جميع المسؤولين العرب المعنيين بالوضع في لبنان كي يسود الهدوء ويُمنع تدهور الوضع عندما يصدر القرار الظني للمحكمة الدولية الخاصة بلبنان، كما يعمل على دعم المؤسسات اللبنانية وتوجيه الرسائل الضرورية بالهدوء الى رؤساء الأحزاب اللبنانيين الذين استقبلهم وسيستقبلهم. وقال المصدر إن زيارة رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري باريس حيث يلبي غداً دعوة الرئيس ساركوزي الى غداء والخميس دعوة رئيس الحكومة فرانسوا فيون، ولقاءه المرتقب مع وزيرة الخارجية ميشيل اليوماري يأتيان في إطار إعادة تأكيد دعم ساركوزي للحريري كرئيس لحكومة لبنان وصديق لفرنسا. من هنا أراد ساركوزي استضافة الحريري الى غداء في قصر الإليزيه لإعادة التذكير بهذه الصداقة والدعم الفرنسي للبنان وحكومته. وقال المصدر إن الزيارة المرتقبة أيضاً للرئيس السوري بشار الأسد لباريس في الأيام المقبلة تندرج في إطار حوار بين فرنسا وسورية حول لبنان، ولكن أيضاً حول المسار السوري - الإسرائيلي الذي يهم باريس في شكل كبير. ولم يستبعد المصدر المسؤول أن يعيد مبعوث الرئيس ساركوزي للمسار السوري - الإسرائيلي جان كلود كوسران الخيوط بين الإسرائيليين والسوريين في محاولة لإعادة المسار التفاوضي الذي توقف. ورأى أن في حال بقي المسار الفلسطيني - الإسرائيلي معطلاً قد يجد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو مصلحة في عودة إطلاق المسار السوري في ظل علاقات سيئة مع تركيا، فإسرائيل ترغب في دور فرنسي، وطالما أن العلاقات التركية - الاسرائيلية سيئة قد تكون هناك فرصة لفرنسا لأن تقوم بدور بين البلدين، ولكن المرحلة الآن هي لبحث إعادة ربط الخيوط لعودة المسار التفاوضي الإسرائيلي - الفلسطيني. ورأى أن لباريس فرص تحرّك على هذا المسار كون اسرائيل تطالبها بدور وقد توافق دمشق على دور فرنسي إذا استمرت العلاقة التركية - الإسرائيلية على هذا النمط من التدهور. فحوار باريس مع الرئيس السوري يتناول ضرورة استقرار الوضع في لبنان ولكن أيضاً أمل فرنسا بالقيام بدور لتحريك المسار التفاوضي السوري - الإسرائيلي. إلا أن الرئيس ساركوزي يجهد حالياً لمنع تدهور الأمور في لبنان لدى صدور القرار الظني. وهو أراد في مرحلة أولى ومستمرة دعم المؤسسات ومن على رأسها في لبنان، ومن هنا أيضاً لقاؤه الرئيس سليمان مجدداً في منترو سويسرا والرئيس نبيه بري قبل ذلك. وعندما التقى كلاً من سليمان والبطريرك الماروني نصرالله صفير والرئيس نبيه بري تساءل ساركوزي أمام زوّاره إذا لم يكن مفيداً أن يلتقي رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» ميشال عون وكان رد سليمان في النقاش الذي جرى مع الوزراء اللبنانيين المرافقين أن لا مانع من استقباله على أن يلتقي ساركوزي رؤساء الأحزاب المسيحية الأخرى. وهكذا زار عون باريس وسيتبعه سمير جعجع وأمين الجميل. وقال المسؤول إن ساركوزي يوجه الرسائل نفسها للجميع ومفادها انه يتمنى أن تساهم الأحزاب السياسية في تمكين المؤسسات في لبنان التي تدعمها فرنسا بقوة وذلك عبر الحوار وأعمال ومواقف بناءة. وبالنسبة الى المحكمة الدولية فالرسالة الفرنسية للجميع أنها مؤسسة أنشئت بطلب لبنان وبقرار من مجلس الأمن تحت الفصل السابع. وتابع المسؤول: «اننا نقول إن المحكمة تعمل بناء على مهمة موكلة اليها من لبنان ومجلس الأمن. والمحكمة مستقلة كلياً ومن يخلق المشاكل ليس من يعمل في هذه المحكمة لأن لا أحد يعرف ماذا ستقرر ولكن ما يُثار حولها من تكهنات وتوقعات». وأكد المسؤول أن ليس بإمكان فرنسا ولا أحد القيام بأي عمل تجاه القرار الاتهامي، لا لتأخيره ولا للتدخل فيه لأن اذا كانت هناك محاولة من هذا النوع فيعني ذلك خرقاً لقوانين إنشاء المحكمة وعملها، كما أن لا يمكن اللبنانيين أن يعملوا أي شيء في هذا الاتجاه. ولكن هذا لا يعني أن فرنسا عاجزة عن القيام بأي تحرك لتفادي تدهور الأوضاع في الفترة التي تسبق القرار الظني. وقال إن باريس قلقة ولكنها غير متأكدة من أن الأسوأ سيحصل، ربما بناء على تحليل منطقي وهي تعتقد أن من يطلق أحداثاً سيتحمل مسؤولية كبرى تجاه الرأي العام اللبناني والعالمي والرئيس الفرنسي والمسؤولون الفرنسيون يقولون لجميع محاوريهم انه ينبغي البقاء على الهدوء على أن تستمر الحياة السياسية في البلد عبر المؤسسات الرسمية. وعما اذا تم اتهام عناصر من «حزب الله» في القرار الظني وهل يعني ذلك انه محاولة لإنهاء «حزب الله»؟ قال: «لا، أبداً، فالسؤال الذي تم طرحه من الجميع في لبنان بمن فيهم «حزب الله» هو من قتل رفيق الحريري ومع كل الذين قتلوا يومها وكل من بعد ذلك، ف «حزب الله» طالب أيضاً بالحقيقة والمحكمة تبحث عن الحقيقة ونعتقد أن وحدها المحكمة تدرك ماذا ستقول يوم صدور الاتهام وعندما سيكون القرار الظني موضوع رفض من البعض كما هو متوقع ينبغي يومها على المدعي العام أن يأتي بالبراهين لإظهار أُسس قراره الظني، ولكن ببراهين قوية، ويومها يبدأ المسار الطبيعي للدفاع والاتهام. وسيكون مهماً جداً أن مَن يريد الدفاع يوم صدور هذا القرار عن المتهمين أن يأتي بكل عناصر الدفاع وينبغي أن يحصل هذا المسار في شكل هادئ». وعن رفض سورية المحكمة الدولية كما أظهر ذلك وزير الخارجية وليد المعلم في أحد تصريحاته ، قال المصدر: «هناك عدد من الأحاديث المختلفة في شأن المحكمة أتت من دمشق، فلفترة طويلة كانت سورية تقول إنها ليست معنية بموضوع المحكمة، ولكن بعد أن عبر «حزب الله» عن قلقه واستيائه من هذه المحكمة تبعته سورية، ولكن ما تقوله باريس لدمشق هو ما تقوله للجميع. ان المحكمة مستقلة ولا يمكن أحداً توقيف عملها وهذا غير منطقي. في المقابل ينبغي علينا كلنا معاً بمن فينا سورية أن نهدئ الأمور وان نقوم بما هو ضروري كي يسود الهدوء يوم صدور القرار الظني وان يبدأ مسار المحكمة في المحكمة وليس في شوارع بيروت». وعن احتمال قيام «حزب الله» مع حلفائه في الحكومة بإطاحة حكومة الحريري للتخلص من المحكمة، قال المسؤول إن خطاب فرنسا هو التحذير من الفراغ في لبنان اذ ينبغي أن تستمر المؤسسات في لعب دورها كلياً وأن يساهم كل سياسي في لبنان في عمل المؤسسات الشرعية والدستورية. فليس لفرنسا خطابان والغداء الذي يقيمه ساركوزي على شرف الحريري هو نوع من رسالة بحد ذاتها وهي رسالة تأييد لرئيس مجلس وزراء شرعي في لبنان يبذل كل الجهود كي تتمكن الدولة اللبنانية من الاستمرار في العمل. وعما اذا انسحب بقية الوزراء من الحكومة قال: «فرنسا لا تبني على معطيات غير واقعية وتتمنى ألا تكون الحياة السياسية في لبنان ضحية قرار ظني لا أحد يعلم متى يصدر ولا مَن يتهم. وعلى كل حال هو نتيجة طلب السلطات اللبنانية حينه والرئيس الفرنسي أوضح ذلك للعماد ميشال عون». وعن بقية لقاءات الرئيس ساركوزي مع القيادات اللبنانية قال المصدر المسؤول إنها ترتبط بجدول أعمال الرئيس ولكن المهم أن المبدأ تم تبنيه وسيستقبل سمير جعجع والرئيس أمين الجميل. وقال المصدر إنه لم يذكر النائب وليد جنبلاط لأنه لم يطلب موعداً ولكنه بالطبع لو طلب سيلتقيه الرئيس الفرنسي. ونفى المصدر بوضوح أن يكون هناك مسعى معين لكسب الوقت وتأخير صدور القرار الظني، وأكد أن ليس هنالك اي تنسيق بين فرنسا والولايات المتحدة حول لبنان، ولكنه قال ان هنالك حواراً كما هو قائم مع كل المعنيين بالوضع في لبنان ففرنسا تتكلم مع السعوديين والسوريين وهي بانتظار الأمير متعب بن عبدالعزيز الذي أعلن العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبد العزيز انه سيوفده الى فرنسا ولكن ليس هناك بعد موعد محدد لهذه الزيارة. ورأى المصدر أن التفاهم السوري - السعودي أساس لتشجيع الأقطاب اللبنانيين على البقاء على الهدوء واحترام المؤسسات. وقال إن ليس هناك كلام مع ايران حول لبنان «وسنستمع باهتمام الى ما لدى الحريري من تحليل بعد زيارته طهران». وأكد المصدر أن الرئيس الفرنسي أكد للجميع إصراره على أن تلعب قوات حفظ السلام في الجنوب دورها كلياً وكان على قناعة بأن «حزب الله» كان وراء ما حصل في تموز (يوليو) الماضي في الجنوب من تعرض القوات الفرنسية لإشكالات، وعندما استقبل ساركوزي بري سلمه رسالة تحذير الى «حزب الله» حول ضرورة تجنيب «يونيفيل» أي مشكلة واعتبار أن أي تعرّض لقوات حفظ السلام من طرف «حزب الله» أو غيره يعني أنه يتعرض للأسرة الدولية كلها ويطلق مشكلة دولية ينبغي التفكير فيها بعمق قبل التورط في مثل هذا العمل لأن هنالك من الجانب الآخر من الحدود اسرائيليين يحلمون بالثأر لما حصل في 2006. وخلص المصدر الى أن مهما فعل «حزب الله» لتعطيل الحكومة أو حتى قلبها لو أراد فهذا لن يمنع صدور القرار الظني وتوقيف المحكمة وحتى لو توقف لبنان عن الدفع فللمحكمة الأموال الكافية للذهاب الى صدور القرار الظني.