واشنطن - «نشرة واشنطن» - يتوقع عدد من الخبراء الزراعيين ان يساعد التقدم الحاصل في المحاصيل المعالجة جينياً في تفادي أزمة كبيرة. فتغير المناخ يزيد من الضغوط على القطاع الزراعي الذي يعاني من الإجهاد، ولا بد في الوقت ذاته من إنتاج مزيد من المواد الغذائية لتلبية احتياجات النمو السكاني السريع، تخفيفاً للجوع المزمن أو سوء التغذية، اللذين يعاني منهما نحو بليوني شخص. ووفقاً لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة، يجب ان يزداد الإنتاج الغذائي بنسبة 70 في المئة حتى عام 2050، كي يكون كافياً لإطعام سكان العالم الذين سيبلغ عددهم تسعة بلايين شخص بحلول منتصف القرن الواحد والعشرين. وتؤكد مجموعات متزايدة من الخبراء الدوليين في شؤون الزراعة والأغذية ان هذا سيتطلب تغييراً ضخماً في أساليب الزراعة، إلى جانب إيجاد جيل جديد من المحاصيل ذات الكفاءة الفائقة والمهيأة لتغيير المناخ. وما يزيد من تفاقم المشكلة في رأي العلماء، التراجع المتوقع في المحاصيل الذي سيكون وقعه أشد في مناطق معيّنة عنه في مناطق أخرى. وأظهرت دراسة أجراها «المعهد الدولي لبحوث السياسة الغذائية» ان إنتاج الرز في جنوب آسيا، يمكن ان ينخفض بنسبة 14 في المئة، فيما سيتراجع إنتاج القمح بنسبة 50 في المئة بحلول عام 2050، نتيجة تغيّر أنماط الأمطار وارتفاع درجات الحرارة، ما يجهد المحاصيل. وأعلن مدير برنامج الطاقة والموارد والبيئة في كلية الدراسات الدولية العليا في جامعة «جونز هوبكنز» الأميركية ديفيد جيراد في اجتماع مع لجنة خاصة بتغير المناخ والزراعة العالمية: «نريد ابتكاراً متعدد الوجوه وعلى كل جبهة وصعيد». وأضاف: «نحن في حاجة إلى استثمارات ضخمة في البحوث والتنمية، وإلى تعاون القطاعات العامة والخاصة، ونحتاج من القطاع الخيري ان يشارك بفاعلية، فهذه مشكلة عالمية ملحّة نحتاج معها إلى استخدام كل أداة متاحة في تصرفنا». وقال كليتون يوتر، وهو وزير زراعة وممثل تجاري سابق للولايات المتحدة، ان كثيراً من الأمور يعتمد على مواكبة تقدم التكنولوجيا الأحيائية لزيادة الطلب على الغذاء. وأضاف: «نحن اليوم في غمرة ثورة تكنولوجيا أحيائية»، لكن القرارات السياسية التي اتخذها الاتحاد الأوروبي لمنع محاصيل معيّنة معدّلة الجينات تقوّض جهود تلبية الطلب المتزايد على الأغذية. ومن بين المنظمات العاملة على زيادة مردود المحاصيل المقاومة لتغيّر المناخ في بعض أفقر دول العالم وأكثرها عرضة للخطر «المجموعة الاستشارية للبحوث الزراعية الدولية». وتدعم هذه المنظمة التي يمولها مانحون من الولاياتالمتحدة، مراكز بحوث تركز اهتمامها في أنحاء العالم على تزويد الأسواق بالمحاصيل المعززة المتزايدة. وصادفت تلك المراكز عدداً من النجاحات خلال السنوات الأخيرة في تطوير نوع من الذرة قادر على تحمّل الجفاف، علاوة على أمور أخرى في أفريقيا، ونوع جديد من الرز يمكن ان يتحمّل فترات من الفيضانات. وأعلنت «المجموعة الاستشارية للبحوث الزراعية الدولية» عن مجهود للبحوث العلمية يكلّف 600 مليون دولار، سعياً وراء اكتشاف جينات رز جديدة تساعد العلماء في تطوير محاصيل أكثر إنتاجية ومقاومة. وأوضحت مديرة شعبة التنمية الزراعية في شركة «أركاديا للعلوم» البيولوجية جوزيت لويس في مؤتمر في واشنطن ان القطاع الزراعي يستطيع من خلال معالجة المحاصيل جينياً ان يواجه تحدياً آخراً. وكانت طوّرت نوعيات من الرز تنتج المقدار ذاته من الغلال، لكنها تحتاج إلى مخصّبات نيتروجينية تقل بنسبة 65 في المئة، والنيتروجين من العوامل التي تساهم في تغير المناخ. ويشكل الأكسيد النيتري المنبعث من الأسمدة والمخصبات من القطاع الزراعي ثاني أكبر مصدر لانبعاث الغازات المسبّبة للاحتباس الحراري، وفقاً للجنة الحكومية الخاصة بتغير المناخ، التي توقعت ان يزداد استعمال الأسمدة والمخصبات في شكل كبير خلال العقد المقبل في الصين والهند. وتحاول «أركاديا» تحسين قدرة المحاصيل على امتصاص النيتروجين، عبر تغيّير تركيبها البيولوجي الأحيائي. وأوضحت لويس ان المحاصيل «تستهلك عادة 50 في المئة فقط من النيتروجين الذي تتلقاه في المخصبات، أما الباقي فيضيع كأكسيد نيتري غازي أو نيتروجين يتسلل إلى مصادر المياه، وهو مصدر آخر من مصادر القلق على البيئة. وأوضحت ان رز «أركاديا» المعدل جينياً أثار اهتمام «المعهد الصيني للبحوث» الذي اشترى ترخيصاً لتسويقه. وتتعاون شركة «أركاديا» حالياً مع الحكومة الصينية، لمكافأة المزارعين الذين يزرعون هذا النوع من الرز بأرصدة ائتمانية من الكربون يمكنهم بيعها في مقابل نقدي.