هناك من يقول إنها تدل على مشكلات نفسية، وهناك من يقول إنها تدل على النرجسية وحب الذات، وهناك من يقول إنها تدل على نقص العاطفة والحاجة إلى لفت الأنظار. وعلى رغم كل ما يقال، تواصل حمى الصور الذاتية الشهيرة ب «سيلفي» اجتياح العالم بسكّانه، أشخاصاً كانوا أو حيوانات. ولأن تلك الصور أصبحت جزءاً من حياتنا اليومية والروتينية، قرر البعض أن يكرّس 16 آذار (مارس) يوماً لعدم تصوير سيلفي فيه (قد يكون اختيار ذلك التاريخ لتصادفه مع يوم ميلاد الفرنسي فيليب كان الذي اخترع كاميرا الهاتف)، بهدف الإضاءة على أهمية تلك الصور والوقت الكبير الذي «نضيعه» للحصول على الصورة المثالية بعد عشرات أو حتى مئات المحاولات الفاشلة. فقد أظهرت دراسة نشرتها مجلة CyberPsychology الطبية أخيراً، أن الفتاة تمضي في معدل وسطي ساعة ونصف ساعة أسبوعياً وهي تلتقط صور سيلفي (علماً أن نسبة الذكور الذين يصوّرون أنفسهم 17 في المئة بينما لا تتعدى ال 10 في المئة لدى الإناث)، وذلك بهدف زيادة الثقة بالنفس عبر إعجاب الآخرين بتلك الصور التي تنشر على مواقع التواصل. ولكن هناك مشكلة يقع فيها كل «مدمن سيلفي»، وهي أن تلك الصور لتكون «جميلة»، يجب أن تتوافق مع معايير المجتمع للجمال، ناهيك بأن ملتقطي تلك الصور ليسوا محترفين، ما يوقع الفرد الباحث عن اهتمام أو إعجاب في مصيدة المعايير السطحية والمستندة إلى الأذواق الشخصية لأفراد المجتمع. لمحة تاريخية معظم الناس يظنون أن الصور الذاتية «اختراع» جديد وأنها تعود فقط إلى العام 2002 عندما أطلق المنتدى الإلكتروني الأسترالي «إي بي سي» تسمية «سيلفي» على تلك الصور، وأصبح مصطلحاً عالمياً عام 2014 بعدما التقطت إيلين ديجنيرز، مقدمة حفلة جوائز الأوسكار ال 86 (Academy Awards)، صورة «سيلفي» مع بعض نجوم هوليوود. لكن «السيلفي» تعود إلى نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين بفضل كاميرات «براوني» التي كانت تنتجها شركة «كوداك»، إذ كان المصورون الذين يلتقطون تلك الصور يستعينون بمرايا لالتقاطها. وبعد بحث استمر سنوات طويلة، عثر على «أقدم صورة ذاتية في التاريخ» صدفة في ألبوم صور عائلة إنكليزية ويعود تاريخها إلى العام 1926 والتقطت بواسطة عصا سيلفي. وفقاً لصحيفة «ميرور»، هناك صور «سيلفي» أقدم من ذلك التاريخ، منها صورة المصور الأميركي روبرت كورنيليوس عام 1839، وصورة المصوّر جوزيف بريون عام 1909، والدوقة الروسية أنستازيا نيكولافنا التي استعانت بمرآة لتصوّر نفسها عام 1914. مغامرات «السيلفي» لم يقتصر التقاط الصور الذاتية على الأماكن العامة وفي الحفلات الموسيقية وفي اللقاءات العائلية والرحلات المدرسية... بل ذهب البعض إلى أبعد من ذلك. فقرروا أن يخاطروا بحياتهم بهدف التقاط صور لمغامراتهم المجنونة، مثل الموضة التي درجت قبل فترة وأطلق عليها «الاستكشاف المُدني» التي من خلالها يبحث «المتحدّون» عن أعلى المباني ليتسلّقوها ويصوّروا أنفسهم من أعلى نقطة ممكنة، من دون التفكير بالأخطار المترتبة على تلك المجازفة. وخلال السنوات الماضية، أصبح الأمر أخطر مع بعض الأشخاص الذين حاولوا القيام بأمور «مجنونة» عند التقاطهم «السيلفي»، مثل محاولتهم التوازن على حافة برج أو ضفة نهر أو القفز أمام قطار أو التقاط صورة وفي أيديهم سلاح، إلا أن الأمر كان ينتهي بمأساة في كثير من الأحيان، ما يجعل من تلك الصورة اللقطة الأخيرة من حياتهم. الحيوانات و «السيلفي» يبدو أن الحيوانات تشارك الناس نرجسيتهم، إذ تنتشر في شكل مستمر على مواقع التواصل «سيلفي» لحيوانات صوّرت نفسها بنفسها وحيدة أو برفقة «أصدقاء»، منها القطط والكلاب والسناجب والفيلة والقرود، وأشهر تلك الصور هي العائدة إلى قرد المكاك الأسود الذي تسببت الصور التي التقطها بنزاعات قضائية بين المدافعين عن «حقوق الحيوان الفكرية» وصاحب الكاميرا الذي يزعم أنه من ضغط على الزر والتقط الصورة. بالعودة إلى طريقة إحياء يوم 16 آذار، «لا للسيلفي»، بكل بساطة من أراد المشاركة فيه، يجب أن يعمل جاهداً لعدم التقاط صور ذاتية لمدة 24 ساعة.