أكدت مصادر سياسية وثيقة الصلة بقيادات لبنانية التقت رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان قبل مغادرته بيروت ليل أول من أمس الى أنقرة، أنه سيتحرك باتجاه دمشقوطهران لتوفير الحماية للبنان من أي انتكاسة أمنية، لأنه مهتم بالحفاظ على التهدئة والاستقرار فيه. وكشفت أن اردوغان، كما أبلغ هذه القيادات، سيتصل بالرئيس السوري بشار الأسد، لإطلاعه على نتائج محادثاته في بيروت وأنه في ضوء هذا الاتصال سيتقرر ما اذا كان سيزور العاصمة السورية أو يرسل موفداً خاصاً عنه. أو أن يوفد الأسد موفداً عنه الى تركيا. وشدد أردوغان، كما نقلت المصادر ل «الحياة»، على ان تركيا ليس لديها مشروع خاص بلبنان أو استعداد لإطلاق مبادرة في هذا الشأن، لكنها ترى انه من غير الجائز المس بالوضع الأمني أو تهديد الاستقرار العام فيه، وأنها ستلعب دوراً لدى سورية وإيران لما لديهما من تأثير على أطراف لبنانيين رئيسيين يمكن ان يدفع باتجاه تكريس التهدئة. ورأى أردوغان أن لا مصلحة لأحد في إضعاف المظلة السورية – السعودية التي يفترض ان تشكّل حماية أمنية وسياسية للبنان، مشيراً الى تحريك عجلة الحكومة وعدم تعطيلها باعتبارها مسألة رمزية. وإذ أبدى اردوغان ارتياحه الى المسار الذي بلغته العلاقة السورية – التركية، أكد في المقابل ان هذه العلاقة لن تكون على حساب لبنان، لافتاً الى ان الوضع اللبناني يجب ان يكون متماسكاً وممسوكاً حتى لو صدر القرار الظني في اغتيال الرئيس رفيق الحريري، نظراً الى ان هناك إرادة إقليمية ودولية بعدم تفجير الوضع، لكن هذه تبقى تطمينات لا بد من ان تتضافر الجهود لتصبح ضمانات غير قابلة للخرق. من جهة اخرى، يتوجه اليوم رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري الى طهران متجاوزاً الفتور والتأزم في المرحلة السابقة، في أول زيارة رسمية لها منذ ترؤسه حكومة الوحدة الوطنية، وسيرافقه وفد وزاري هو الأكبر في جولاته الخارجية، يضم الوزراء بطرس حرب، محمد فنيش، حسن منيمنة، طارق متري، علي عبدالله، سليم الصايغ وسليم وردة. وينتظر ان يلتقي الحريري كبار المسؤولين الإيرانيين وعلى رأسهم الرئيس محمود أحمدي نجاد، علماً ان زيارته لطهران تنم عن قناعة في فتح صفحة جديدة مع القيادة الإيرانية ستكون لها مفاعيلها على صعيد تثبيت الاستقرار في لبنان. وكان الحريري تحدث الى وكالة «إرنا» الإيرانية وقال ان «ضرب الاستقرار في أي دولة من دول المنطقة هو بمثابة تهديد لمصالح العرب وإيران في آن معاً، ومن هذا المنطلق أرى أن إيران معنية بكل مسعى لتوفير مقومات الاستقرار في كل المنطقة ومن ضمنها لبنان الذي ينظر بإيجابية تامة الى مساعي القيادتين السعودية والسورية لتثبيت الاستقرار فيه». واعتبر ان زيارة نجاد للبنان «كانت مناسبة لتعزيز علاقات الدولة اللبنانية ومؤسساتها بالدولة الإيرانية ومؤسساتها، وفرصة للبحث المعمّق في المصالح المشتركة بيننا وهو ما سأستكمله خلال زيارتي إيران». وعشية هذه الزيارة قال سفير إيران في لبنان غضنفر ركن أبادي في حديث مع الوفد الصحافي اللبناني في الطائرة التي أقلتهما أمس الى طهران، ان «الزيارة مهمة وإيجابية وستنعكس لمصلحة التهدئة والحلول في لبنان»، وأن نتائجها العملية سترونها بعد أيام من انتهائها. وعلم لاحقاً ان اشكالاً يتعلق بوجود رئيس لجنة الاستشارات في الخارجية نويل فتال ضمن الوفد الرسمي قد يعيق توقيع اتفاقات مع طهران اليوم. وجرت اتصالات ليلاً لتدارك هذا الاشكال نظراً الى ضرورة وجود فتال خلال التوقيع في غياب وزير الخارجية علي الشامي. وبالعودة الى محادثات أردوغان في بيروت التي اختتمها بلقاءات شملت رئيس حزب الكتائب امين الجميل ومعه نائبه الثاني سجعان قزي، ورئيس «تكتل التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون، الرئيس نجيب ميقاتي، رئيس كتلة «المستقبل» فؤاد السنيورة، إضافة الى رئيس «اللقاء النيابي الديموقراطي» وليد جنبلاط ورئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع ورئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» محمد رعد، علمت «الحياة» ان المسؤول التركي وجّه دعوات لجميع الذين التقاهم الى زيارة أنقرة، وترك لهم تحديد الموعد. وفي هذا السياق، قالت المصادر ان أردوغان حرص على الاستماع الى زواره، وأنه كان يتدخل من حين الى آخر ليؤكد دعم جهود التهدئة. وقالت ان جميع من التقاهم توافقوا معه على تضافر الجهود لحماية البلد ومنع تهديد استقراره. ونقلت عن أردوغان قوله: «ان علاقتنا وثيقة بسورية وتعاوننا معها قطع أشواطاً كبيرة لكن هذا لا يمنعنا، لما بيننا من تواصل، من ان نلفت نظرها من حين الى آخر في قضايا تهم لبنان لتداركها لئلا تسبب إزعاجاً له». وقالت المصادر ان أردوغان أبلغها بأن «تواصلنا مع إيران يتيح لنا قدراً أكبر من التعاون لدعم استقرار لبنان لأن ما يهمنا دعم التسوية فيه وإيجاد المخارج لجميع المشكلات القائمة». ونقلت عن أردوغان قوله ايضاً «ان لا شيء يمنعنا، نحن وإيران، من ان نكون داعمين للثنائية السعودية والسورية، ونحن لن نألو جهداً في تقديم ما يُطلب منا». وتوقفت المصادر امام إلمام أردوغان بتفاصيل لبنانية لا تخطر على بال أحد من الزوار، أكانوا إقليميين أم دوليين، وقالت في هذا المجال انه سأل عن الأسباب التي لا تزال تؤجل إقرار مشروع قانون الموازنة لهذا العام وعن الخلاف القائم في شأن قطع الحساب للموازنات السابقة، ما دفع أحد القياديين الى الاعتقاد بأن هذا الأمر ناقشه مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري. وقالت هذه المصادر ان الجميل أكد له أنه يطمح الى إقامة افضل العلاقات مع سورية وإيران، وأن لديه دعوة وجّهت له أخيراً لزيارة طهران، وأن لا مصلحة في أي اشتباك لبناني معهما، لكن كي يكون الدور التركي مفيداً لا بد من ان يكون لأنقرة القدرة في التأثير عليهما لمصلحة الاستقرار في لبنان. وأكدت ان جعجع تقاطع في موقفه مع الجميع ونقلت عنه قوله لأردوغان: «أنتم أصدقاء لسورية وإيران وفي وسعكم القيام بدور للحؤول دون المس بأمن لبنان باعتباره مسألة أساسية تهم كل اللبنانيين من دون استثناء». ولاحظت المصادر ان ما ميَّز زيارة أردوغان عن زيارة الرئيس الإيراني، ان الأول حرص على لقاء القيادات اللبنانية من مختلف الأطياف والتيارات والأحزاب، وهذا ما لم يفعله الأخير الذي لم يلتق أي قيادي من قوى 14 آذار، باستثناء رئيس الحكومة، وهذا أمر طبيعي ان يلتقيه في إطار لقاءاته برئيسي الجمهورية والحكومة. مع ان مصادر في قوى 8 آذار أكدت ل «الحياة» ان العائق الوحيد امام توسيع لقاءات نجاد تمثل في عدم قدرته في الظرف الراهن على لقاء جعجع، لاعتبارات تتعلق بملف الديبلوماسيين الإيرانيين الذين فقدوا في لبنان إبان الاجتياح الإسرائيلي في حزيران (يونيو) 1982، وبالتالي ليس ممكناً استثناء قائد «القوات» من لقاءاته بقيادات 14 آذار.