لم تعمر طويلاً أجواء التفاؤل التي سيطرت بعد قمة روسيا – الحلف الأطلسي. وطغى الحديث عن الملفات الخلافية بين الطرفين على تأكيدات حول ذوبان الجليد والانتقال إلى مرحلة جديدة من التعاون. وأشارت مصادر روسية و «أطلسية» إلى تباين واضح في رؤية الجانبين لنظام الدفاع الصاروخي (الدرع) المقترح في أوروبا. ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» عن جهات مسؤولة في الحلف الغربي أن قادته رفضوا اقتراحاً قدمه الرئيس الروسي ديمتري مدفيديف لضم دفاعات بلاده الصاروخية إلى «الدرع» التي ينوي الغرب نشرها في أوروبا. وكانت قمة الحلف التي عقدت أخيراً، في لشبونة أسفرت عن دعوة موسكو إلى التعاون في مجال الدفاع الصاروخي ضد التهديدات الخارجية على القارة الأوروبية. لكن موسكو اشترطت لتلبية الدعوة، العودة إلى اقتراح روسي بتشكيل مجموعة عمل مشتركة مهمتها تقويم الأخطار الخارجية ووضع آليات جماعية لمواجهتها. كما أكد مدفيديف أن روسيا «لن تقبل بغير تعاون يقوم على قدم المساواة بين الجانبين». واقترح توحيد الجهود وإنشاء شبكة دفاعية واحدة، بالاعتماد على التقنيات المتوافرة لدى الطرفين. ونقلت الصحيفة عن مشاركين في القمة أن الرئيس الأميركي باراك أوباما وغيره من قادة بلدان الحلف ال28 رفضوا عرض مدفيديف بطريقة ديبلوماسية، وقالوا انهم سيطرحون المسألة على الخبراء الفنيين في بلادهم. وأضافت أن الخبراء سيبحثون عن طرق للتعاون بين النظامين ورفع تقرير في هذا الشأن الى المشاركين في اجتماع وزراء الدفاع في الحلف وفي روسيا والذي سيعقد في بروكسيل في حزيران (يونيو) المقبل. واعتبر ديبلوماسيون في «الأطلسي» أن اقتراح مدفيديف «يتجاوز رؤية الحلف للتعاون وتبادل المعلومات بين نظامين دفاعيين وليس نظام واحد». وكانت العلاقات بين موسكو والحلف الأطلسي توقفت قبل سنتين بعد الحرب الروسية – الجورجية. وعلى رغم أن القمة نجحت في تقريب المواقف حيال ملفات بينها الوضع في أفغانستان، لكنها فشلت في تحقيق اختراق على صعيد ملفات خلافية شائكة أبرزها «الدرع» ومسألة الأمن الأوروبي، علماً بأن الغرب تجاهل مبادرة روسية لإنشاء نظام أمني شامل في أوروبا بالتعاون بين روسيا والحلف. في غضون ذلك كشف مدفيديف أمس، أن القيادة الروسية تدرس إقامة قواعد عسكرية جديدة خارج البلاد لإمداد وحدات بحرية روسية. وأشار إلى أن مرافقة سفن الإمداد للسفن الحربية أثناء رحلاتها إلى البحار البعيدة، أمر باهظ التكاليف وغير مجدٍ، لذا فإن التفكير بنشر قواعد عسكرية في مناطق مختلفة من العالم يعد وسيلة أنجح وأرخص ثمناً، لتأمين تحركات الملاحة الروسية والأسطول العسكري. وزاد أن «شركاءنا الحاليين أنشأوا قواعد في مختلف أنحاء العالم». وكانت موسكو تمتلك قواعد عسكرية لإمداد القوات البحرية السوفياتية في كوبا وبولندا وألمانيا وفنلندا والصومال وفيتنام وإثيوبيا واليمن ومصر وليبيا. وأجلت بعد انهيار الدولة العظمى قواعد الأسطول السوفياتي من هذه البلدان. وتمتلك روسيا حالياً 25 قاعدة عسكرية أو مركز توجيه في جمهوريات سوفياتية سابقة، أبرزها محطة رادار في أذربيجان، وقاعدة عسكرية تضم 5000 جندي وضابط في أرمينيا، ومحطة رادار ومركز اتصال في بيلاروسيا، وقاعدة فضائية وعدد من المنشآت الأخرى في كازاخستان، وقاعدة جوية ومنشآت أخرى في قرغيزستان، ورادار وقاعدة عسكرية في طاجيكستان، وقاعدة بحرية في أوكرانيا. وتعد سورية البلد الأجنبي الوحيد الذي يستضيف منشأة عسكرية روسية حالياً، قرب ميناء طرطوس، وكان قادة عسكريون روس تحدثوا عن خطط لتوسيع المنشأة وتحويلها إلى قاعدة عسكرية أساسية للأسطول الروسي في البحر المتوسط. في المقابل، تشير معطيات روسية إلى أن الولاياتالمتحدة تملك أكثر من 800 قاعدة عسكرية خارج حدودها.