تجددت آمال السعوديين بإحياء ملف استقدام العمالة المنزلية الإندونيسية العالق منذ أكثر من ستة أعوام، عانت معها كثير من العائلات السعودية من ارتفاع رسوم الاستقدام ورواتب العاملات إلى حوالى 300 في المئة، فيما تتميز العمالة الإندونيسية باعتدال أجورها في السعودية. وراقب السعوديون نشاط وزير العمل والتنمية الاجتماعية علي الغفيص في جاكرتا، خلال مرافقته خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز في زيارته الرسمية إلى إندونيسيا، لعلهم يرون بصيصاً من نور في نهاية هذا النفق. وكتب المغرد عبدالحميد أسعد: «أتمنى أن تتضمن الاتفاقات مع إندونيسيا عودة العمالة الإندونيسية، هرمنا، هرمنا من الانتظار ورفع الأسعار» وأيده آخر: «أرجعوا العمالة الإندونيسية لنحد من جشع مكاتب الاستقدام». ورأت إحدى المغردات أن سبب استمرار الأزمة لسنوات هو «رفض الدولة استقدامهم في وظائف غير الخدمة والسواقة مع أنه شعب نشيط». وفي المقابل، رفض مغردون عودة الإندونيسيين، لأنهم سيكونون بأسعار عالية، فيما كتبت حصة العريفي: «لا أتمنى عودتهم لم نجنِ من ورائهم غير المشاكل». وأيدتها مغردة أخرى، زاعمة اشتغال الكثير منهم في «السحر». وكتبت منى: «سئمنا من الاستقدام، نريد الوظائف لنا، ضاع عمرنا هباء». وبدأت أزمة استقدام العمالة الإندونيسية في العام 2011، بعدما أصدرت وزارة العمل السعودية قراراً بمنع إصدار تأشيرات استقدام لهذه العمالة، إثر شروط إضافية وضعتها جاكرتا لحماية عمالتها، قيل إنها «تخالف عادات المجتمع السعودي وتقاليده». وجاءت الشروط بعدما طُبق القصاص في عاملة منزلية إندونيسية قتلت كفيلها، وصدر قرار إثرها من الرئيس الإندونيسي بمنع إرسال العمالة إلى السعودية، إلا بعد توقيع اتفاق منظم للاستقدام، يضمن حقوق العاملات المنزليات. ويعمل في السعودية أكثر من 700 ألف عامل إندونيسي، غالبيتهم عاملات منزليات، وأكدت جاكرتا استقبالها 10 شكاوى عمالية يومياً، تتعلق بخلافات في الأجور ومطالبة عمال بالعودة إلى بلادهم. وعانت الأسر السعودية خلال السنوات الماضية من ارتفاع كلفة العمالة بعد غلق باب الاستقدام في إندونيسيا، وزيادة وتيرة الجرائم المرتكبة من عاملات من جنسيات أخرى، وتوجه السعوديون باللوم إلى اللجنة الوطنية للاستقدام ووزارة العمل، متهمين الجهتين ب«التسبب في الأزمة». وساد الحديث عن وجود «مافيا تتحكم في سوق الاستقدام» بعدما تضاعفت رواتب العمالة المنزلية، ولم يفلح معها فتح الاستقدام من دول أخرى، مثل الهند والفيليبين ونيبال، إذ طالبت هذه الدول بضمانات مالية لعمالتها، وهو ما عجزت عنه كثير من الأسر السعودية. ودخلت السعودية وإندونيسيا في مفاوضات لسنوات لمعالجة هذا الملف، إلا أنها فشلت - بعد اتهامات متبادلة بين الجانبين ب«التعنت» - محلياً، وطاولت الاتهامات وزارة العمل واللجنة الوطنية للاستقدام ورئيسها السابق سعد البداح بالتسبب في الأزمة. وحاولت لجنة الاستقدام من جانبها الدفاع عن نفسها بعد الاتهامات التي تداولها السعوديون في شكل واسع على مواقع التواصل الاجتماعي، بالتسبب في ارتفاع كلفة الاستقدام بمقدار 300 في المئة، والأجر بنسبة 250 في المئة، انتهى بتقديم اللجنة استقالات جماعية في أيار (مايو) 2015، وألقت بالكرة في ملعب الوزارة وقرارها والدول المصدرة للعمالة. لكن وزارة العمل نفت، في بيان أصدرته، مسؤوليتها عن الأزمة، وأرجعتها إلى «الشروط المتعسفة من الجانب الإندونيسي، والتي انعكست سلباً على المواطنين، من خلال تأخير غير مبرر في إنجاز الطلبات، واستحداث شروط غير منطقية ضمن إجراءات الاستقدام، إضافة إلى ارتفاع غير مبرر في الكلفة. وتضمنت شروط الجانب الإندونيسي - بحسب البداح - خلو الصحيفة الجنائية لمقدم الطلب، ومعرفة أعداد أفراد الأسرة، والتعهد بمعاملة العامل بطريقة إنسانية، والإقرار بنوع من الحق في التدخل للسفارة الإندونيسية، وهو ما رفضه الجانب السعودي. وتوقع كثيرون انفراج الأزمة بعد اتفاق وقعه الطرفان عام 2014، ينظم استقدام العمالة، واشترط الجانب السعودي حينها تدريبها في معاهد متخصصة وتأمينها طبياً، وألا تكون من أصحاب السوابق، وأن يكون التوظيف من خلال مكاتب استقدام مرخصة في البلدين، وشروط أخرى، ولم يوضح وزير العمل الأسبق عادل فقيه، الذي أشار إلى الاتفاق، حقوق الجانب السعودي. ودخل الطرفان في مفاوضات جديدة، اشترط خلالها الجانب الإندونيسي رفع راتب العاملة الشهري إلى حوالى 1900 ريال، وهو ما وصفه المفاوض السعودي ب«الاستغلال»، رافضاً تحميل المواطن هذا المبلغ، ما حال دون الوصول إلى اتفاق. وكاد الجانبان أن يصلا إلى اتفاق نهائي منتصف العام 2015، لكن المفاوضات توقفت نهائياً بعد قرار أصدره الرئيس الإندونيسي بمنع تصدير العمالة المنزلية إلى 21 دولة، بينها السعودية، تبعه آخر بإعادة العمالة المنزلية كافة (عاملات منزليات وسائقين) في غضون 15 شهراً إلى إندونيسيا. وعانت مكاتب الاستقدام خلال الأعوام الستة الماضية حالاً من الشلل، نتيجة كلفة استقدام العمالة الآسيوية والتي تجاوزت أحياناً 20 ألف ريال، وزادت وتيرة اتهامات الوزارة بوضع العراقيل أمام المكاتب وشروط، وصفت ب«التعجيزية»، من جانب الدولة المصدرة للعمالة، ورفع 100 مكتب قضايا على الوزارة عام 2015، بسبب خسائر تعرضوا لها نتيجة القرارات الوزارية. وتنقل ملف الاستقدام بين أروقة وزارة العمل ولجنة الاستقدام، وصولاً إلى قبة مجلس الشورى الذي ناقش القضية في كانون الثاني (يناير) 2016، طالباً إعادة دراسة اتفاق بشأن توظيف العمالة الإندونيسية. إلا أن المتحدث الرسمي باسم وزارة العمل خالد أبا الخيل علق بالقول: «لا جديد في الملف، إذ ما يزال قرار الحظر سارياً على السعودية ضمن 21 دولة أخرى». يُذكر أن تقارير دولية صنفت السعودية ثاني دولة في استقدام العمالة الأجنبية في العالم، بعد أميركا، بعدما تجاوز عددهم فيها 10 ملايين نسمة.