يدرك الأهالي في مدينة الرياض أن عيد الأضحى، إضافة الى طابعه الديني طبعاً، يمثل «مناسبة لحم» أكثر مما هو مناسبة مقتنيات وملابس. لكن المفارقة أن المدينة التي تعج بأكثر من مليون أسرة لم تعد تتوافر لها في العيد مسالخ كافية لأداء مهمة الذبح والسلخ، ولا مطابخ تغطي الطلب الهائل على تجهيز ولائم الغداء والعشاء. وعلى رغم تصريح أمانة المدينة لأكثر من 300 مطبخ للعمل في العيد فإن العمل لم يكن ليغطي أكثر من 10 في المئة من الذبائح التي أتى بها أرباب الأسر إلى المسالخ. ولوحظت في المناسبة طوابير الانتظار الطويلة التي حبست بعض أرباب الأسر حتى ما يقارب غروب الشمس، وحرمت عوائلهم من حميمية العيد وفرحة المشاركة في وجبات اللحم الشهية، وهو ما رفع قيمة الذبح والسلخ إلى أكثر من 150 ريالاً للذبيحة الواحدة في السوق السوداء التي لجأ إليها بعض «المتمرسين»، وهي تتمثل في أحواش الأغنام على أطراف العاصمة. وتحولت بعض مضارب الغنم ومعاطن الإبل التي كانت أشبه بأسواق غير رسمية، إلى مسالخ غير رسمية. وهو الأمر الذي كافحته أمانة المدينة بشتى الوسائل، ووصل بها الأمر إلى مصادرة الأوراق الثبوتية لسالخين عرب وغير عرب مرتجلين. ومع ذلك لم ينجح أكثر الآباء الذين تخلفوا عن الطوابير الأولى في العودة سريعاً بالأضاحي إلى أسرهم قبل ساعات طويلة من الوقوف والتسكع بحثاً عن حل شخصي. الأمر الذي استدعى سؤال بعضهم عن سبب وجود المشكلة في الرياض والمدن المزدحمة. وأجاب أكثرهم بأن فقدان الأجيال الجديدة لمهارة الذبح والسلخ وانتشار العمالة التي تقوم بذلك المجهود بالتكلفة الضئيلة نسبياً، هو الذي أدى إلى نشوء مثل هذا الضغط في هذه الأيام المحدودة. ويقول محمد العمر: «كان والدي رحمه الله يقوم بذبح الأضحية ويرفعها بمساعدتنا على «سيخ» في فناء المنزل، ثم يسلخها في أقل من نصف ساعة، لكن بعد انتشار المسالخ التي افتتحتها البلدية وتحذير الأطباء البيطريين من أمراض الماشية، وانتشار العمالة وانشغال جيلنا بأمور أخرى أصبح شبه مستحيل القيام بمثل هذه الأمور بالاعتماد على النفس». ويؤكد الشاب خالد الحسن أن «العائلة تغلبت على هذه المشكلة بتأخير الأضحية حتى يوم العيد الثالث، والتبكير في الذهاب إلى المسلخ. وبسهولة تامة استطعت أن أتخلص من مشكلة الذبح والسلخ في أقل من ساعتين. أما طعام اليوم الأول والثاني فقد اعتمدنا بصراحة على هدايا الجيران. وعوضناها لهم في اليوم الثالث بالطبع». ويقول المعلم محمد القحطاني: «قبل ثلاث سنوات وخلال مصادفة سعيدة كنت مع طلابي في رحلة للمدرسة، واقترحت عليهم القيام بنشاط تعلم سلخ الذبائح، وأحضرنا عاملاً خاصاً لتعلم هذا النشاط، وكررت الأمر في رحلات عدة، وتعودنا معاً على السلخ والطبخ المنزلي، ومنذ ذلك وأنا لا أذهب إلى المسالخ في عيد الأضحى، ولكن أحدّ شفرتي وأريح ذبيحتي وأعلّقها، وهذا أراحني من الحجوزات المطولة عند المطابخ ومن اللف والدوران منذ بدء شهر ذي الحجة بحثاً عمن يطبخ لي الغداء أو العشاء لعائلتي وجيراني. ولذلك أؤيد أن يقتصر التعامل مع الأضحية على السنّة النبوية، وهي الأكل من ثلثها والتصدق بثلثها، وإهداء الثلث إلى الجيران، وأن يتعلم من كل أسرة شخص واحد كيف يتصرف مع الأضاحي، بعيداً من عذاب الزحام والضغط في المسالخ والمطابخ، الذي أصبح أمراً حتمياً في السنوات الأخيرة».