أكد الرئيس السوداني عمر البشير أن العودة إلى الحرب بين شمال البلاد وجنوبها «ليست خيارنا»، وتعهد إجراء الاستفتاء على تقرير مصير الجنوب المقرر بعد نحو خمسين يوماً في موعده «بحرية وشفافية ومسؤولية» وبناء علاقات متميزة ومتينة مع الجنوب في حال استقلاله، فيما طالب نائبه رئيس حكومة الجنوب سلفاكير ميارديت الخرطوم بعدم عرقلة الاستفتاء، ووعد بمنحها أول سفارة في دولته الوليدة في حال اختار شعبه الانفصال. واستضافت العاصمة الإثيوبية أديس أبابا أمس قمة زعماء دول وحكومات الهيئة الحكومية للتنمية في شرق أفريقيا «ايغاد» في حضور الرؤساء الكيني موي كيباكي والأوغندي يوري موسيفيني والسوداني عمر البشير والجيبوتي إسماعيل عمر غيله ورئيس الوزراء الإثيوبي ميليس زيناوي. وقال البشير أمام القمة التي كُرّست للأوضاع في السودان والصومال، إنه هيّأ ما هو مطلوب لإجراء استفتاء حر ونزيه في جنوب البلاد يجعل نتيجته مقبولة. ورأى أن عملية ترسيم الحدود بين شمال السودان وجنوبه على الأرض ذات أهمية قصوى لإجراء الاستفتاء وانه ضمانة إضافية لتحقيق سلام مستدام وتجنيب الطرفين الدخول في صراعات لا جدوى منها. وجدد التزام حكومته بقرار هيئة التحكيم الدولية في لاهاي في شأن منطقة أبيي المتنازع عليها والالتزام بأن يتمتع بالتصويت للاستفتاء كل المجموعات المقيمة في المنطقة من دون عزل أي مجموعة، في إشارة إلى قبيلة المسيرية العربية. وأشاد البشير بجهود منظمة «ايغاد» والاتحاد الأفريقي لوضع اتفاق يؤطر العلاقة بين شمال السودان وجنوبه، ومساعدة اللجان المشتركة بين الجانبين في شأن موضوعات وقضايا ما بعد الاستفتاء من أجل الوصول إلى نقاط اتفاق تصب في مصلحة المواطن. وكان لافتاً أمس أن زيناوي حذّر من عواقب «مروعة» بالنسبة إلى أفريقيا إذا عاد السودان إلى الحرب. وقال لوكالة «رويترز»: «مثل جميع سيناريوات يوم القيامة فإن (العودة للحرب) مروّعة بدرجة لا يمكن توقعها. هذا سبب أنه يتعيّن علينا فعل كل شيء في استطاعتنا لمنعها من الحدوث لأن البديل سيكون بالغ التدمير ليس للسودان أو للقرن الأفريقي فحسب بل للقارة بأكملها». وتابع أن الحرب الشاملة «محتملة وليست حتمية». وقال إن الحالة السودانية أكثر تعقيداً من حالة إثيوبيا واريتريا اللتين وقع خلاف بين زعيميهما لاحقاً وخاضا حرباً بسبب صراع على الحدود قتل فيها 80 ألف شخص. وأضاف: «لا يوجد قدر كبير من الثقة بين الجانبين في السودان مثلما كان بيننا وبين الحكومة الاريترية. من المرجح أن يكون الأمر أكثر صعوبة وتعقيداً». واستطرد قائلاً: «لدينا علاقات ممتازة مع الجانبين (السودانيين) الآن ولا يوجد ما يبرر عدم قدرتنا على الحفاظ على هذه العلاقات لفترة طويلة في المستقبل... وبالطبع إذا لم يحدث سيناريو يوم القيامة». وفي السياق ذاته، طالب رئيس حكومة الجنوب سلفاكير ميارديت الخرطوم بعدم عرقلة خطوات الاستفتاء في موعده، واعتبر أي محاولة لإرجائه مخالفة لاتفاق السلام لن يقبل به الجنوبيون. ورفض اتهام حزب «المؤتمر الوطني» الحاكم في الخرطوم «الحركة الشعبية لتحرير السودان» التي يتزعمها بتحريض الجنوبيين في الشمال على عدم تسجيل أسمائهم للمشاركة في الاستفتاء. وأكد ميارديت حرص الجنوبيين على إقامة علاقات متينة ومتميزة مع الدول المجاورة للجنوب في حال استقلاله، موضحاً أن دولتهم ستكون مغلقة ليس لها منفذ على البحر ولذا فهي في حاجة إلى التعاون لا العداء، ووعد بمنح الخرطوم أول سفارة في دولته الوليدة. إلى ذلك، بدأ شريكا الحكم - «المؤتمر الوطني» و «الحركة الشعبية» - درس مقترحات جديدة لتجاوز عقبة منطقة أبيي التي من المقرر أن يجري فيها استفتاء متزامن مع الجنوب لتحديد مستقبلها بين الانضمام إلى الجنوب أو البقاء في وضعها الحالي ضمن الشمال. وقال وزير الدولة للخارجية كمال حسن علي إن حزبي «المؤتمر الوطني» و «الحركة الشعبية» عقدا مجموعة من الاجتماعات قدّما خلالها اقتراحات يُنتظر أن تنظر فيها لجنة حكماء أفريقيا التي يرأسها ثابو مبيكي للخروج بحل توفيقي في ما يتعلق بقضية أبيي. وأوضح علي أن المشكلة التي تواجه الأطراف المعنية في ما يتعلق بمسألة أبيي لا تختص برسم الحدود لأنها مسألة حُسمت في التحكيم الدولي، ولكن تتعلّق بمن يحق لهم التصويت في الاستفتاء المقرر للمنطقة. وأشار إلى أن بروتوكول أبيي ينص على أن قبيلة دينكا نقوك الأفريقية والمواطنين الآخرين المقيمين يحق لهم التصويت، بينما تُصر «الحركة الشعبية» على أن المسيرية لا يحق لهم التصويت، مؤكداً أن أي حل لا يتضمن حق قبيلة المسيرية العربية في التصويت سيؤدي إلى ظهور مشاكل كثيرة. وحذّرت لجنة الأممالمتحدة لمراقبة الاستفتاء من حدة الخطاب والتوتر بين شريكي الحكم الذي صاحب عملية تسجيل الناخبين، وأبدت حزمة من الملاحظات في شأن سير عملية التسجيل، أبرزها ضعف إقبال الجنوبيين في الشمال، وعدم توافر المعلومات الأساسية للناخب، وبُعد مسافات مراكز التسجيل عن المواطنين، واعتبرتها أسباباً أساسية في إعاقة عملية التسجيل. وقال رئيس لجنة الأممالمتحدة لمراقبة عملية الاستفتاء، الرئيس التنزاني السابق، بنجامين مكابا، في مؤتمر صحافي في الخرطوم عقب اجتماع مع مفوضية الاستفتاء، إن لجنته زارت تسعة مواقع في أربع ولايات لمعرفة سير عملية الاستفتاء، وأعلن أن لجنته ستعود إلى الخرطوم الشهر المقبل لتقويم الموقف. وذكر أن هناك حملة منظمة يقوم بها بعض القيادات في جنوب السودان لتشجيع الجنوبيين على عدم التسجيل أو التصويت في الاستفتاء خارج جنوب السودان. موضحاً أن عمليات التسجيل تمضي ببطء شديد. وكشفت تقارير، أمس، أن عدد المسجلين للمشاركة في الاستفتاء من الجنوبيين في ولايات شمال البلاد لم يتجاوز 13113 ناخباً خلال أسبوع. وشهدت ولاية النيل الأبيض أعلى معدلات التسجيل في الولايات العشر، إذ بلغ عدد المسجلين 2902 ناخب، بينما جاءت الولاية الشمالية في المرتبة الأخيرة من حيث التسجيل وبلغ عدد الجنوبيين الذين سجلوا أسماءهم فيها 37 ناخباً. إلى ذلك، حذّر زعيم حزب الأمة المعارض الصادق المهدي من تداعيات انفصال الجنوب، وأكد أن الانفصال سيخلق سابقة تقتدي بها القبائل الأخرى في أفريقيا، إضافة إلى أنه «لن يحل مشاكل التعددية في المنطقة».