دبي، المنامة - رويترز - يبدو احتمال تغيير السياسة النقدية في الخليج بعيداً، على رغم أن ضخ مجلس الاحتياط الفيديرالي الأميركي أموالاً في اقتصاد بلاده يحيي تساؤلات عن ربط العملات الخليجية بالدولار. وفي أحدث موقف في هذا المضمار، شدد محافظ مصرف البحرين المركزي رشيد المعراج أمس على أنه لا يرى حاجة لتغيير ربط عملة بلاده بالدولار. وقال المعراج لصحافيين على هامش مؤتمر مالي في المنامة: «قلنا مراراً إن سياسة الصرف ستظل كما هي. سنبقي على ربط العملة، ولا تغيير في هذه السياسة». وتأتي تصريحات المعراج بعد تصريحات مماثلة من مسؤولين خليجيين آخرين قالوا إن ربط العملات الخليجية بالدولار ليس في خطر. وتثير فترات ضعف الدولار عادة تساؤلات في الدول الخليجية التي تعتمد اعتماداً كبيراً على الواردات. على رغم ارتفاع التضخم في الخليج، فمعدلاته لا تزال في خانة الآحاد ودون المستويات القياسية المرتفعة التي سجلتها في خانة العشرات عام 2008. ولامس الدولار أدنى مستوى في 11 شهراً أمام سلة عملات أوائل الشهر الجاري، بعد جولة جديدة من تيسير السياسة النقدية الأميركية. ومنذ ذلك الحين ارتفع الدولار أمام اليورو الذي يعاني بسبب استمرار المشاكل المالية في أوروبا. وارتفع التضخم في البحرين غير العضو في «أوبك» إلى 2.1 في المئة على أساس سنوي في تشرين الأول (أكتوبر)، وهو أعلى مستوى في ثلاثة أشهر، لكنه أقل بكثير من ذروته البالغة 6.3 في المئة المسجلة في تموز (يوليو) 2008. وكرر المعراج تصريحات أدلى بها الشهر الماضي ومفادها بأنه يتوقع نمو الاقتصاد البحريني بما بين ثلاثة وأربعة في المئة هذه السنة. وأدى ركود شديد في القطاع العقاري بالمنطقة وإعادة هيكلة ديون في شركات عائلية سعودية إلى إلحاق الضرر بالقطاع المصرفي البحريني الحيوي للاقتصاد. وتباطأ النمو الحقيقي في البحرين إلى 4.6 في المئة في الربع الثاني، ويتوقع محللون استطلعت وكالة «رويترز» آراءهم نمو الناتج المحلي الإجمالي 3.5 في المئة هذه السنة. وأخذ التضخم في الخليج يرتفع مع استمرار تعافي اقتصادات المنطقة، خصوصاً الكبرى منها، ليبلغ في السعودية والكويت والإمارات أعلى مستوياته في 18 شهراً، وإن كان ما زال أقل بكثير من مستوياته القياسية عام 2008. ومع ذلك تتوقع أسواق الصرف الآجلة ارتفاع الريال السعودي بنسبة 0.3 في المئة فقط خلال سنة، مقارنة ب 2.7 في المئة عام 2007 الذي شهد ذروة التكهنات بأن تضخم أسعار الواردات سيجبر المنطقة على التخلي عن ربط عملاتها بالدولار. وقال روبرت مندل، الاقتصادي في جامعة كولومبيا بنيويورك الحائز على جائزة نوبل لوكالة «رويترز»: «ينبغي أن تبقي دول الخليج على ربط عملاتها بالدولار في المستقبل المنظور». وأضاف مندل الذي أصبح أخيراً مستشاراً ل «مصرف الإمارات المركزي» إن «الحجة الوحيدة الجيدة لتغيير الربط هي إذا أصبح الدولار غير مستقر أو تراجع بصفته عملة الربط الأولى». وحذّر اقتصاديون من أن أحدث محاولات مجلس الاحتياط الفيديرالي حفز الاقتصاد الأميركي من خلال ضخ 600 بليون دولار قد تؤجج التضخم وتعرض مصداقية الدولار لخطر. لكن ما دام ضعف الدولار يترافق مع تقلب في اليورو والنفط المقوم بالدولار مصدر الإيرادات الرئيس للحكومات الخليجية، فإن ربط عملات المنطقة بالدولار يبدو أمراً مستمراً. وباستثناء أخطار التضخم، فإن التكهنات في شأن ربط العملات وضعف الدولار قد تلحق ضرراً بدول خليجية تستثمر جزءاً ضخماً من احتياطات النقد الأجنبي في أصول أميركية. وعندما برزت تكهنات في شأن رفع سعر الصرف، تدفقت أموال المضاربة على دول الخليج، ما جعل الكويت تخالف دول الخليج الأخرى وتتخلى عن ربط عملتها بالدولار لتستبدله بسلة عملات كي تكبح جماح التضخم. والصيف الماضي خفض «مصرف قطر المركزي» أسعار الفائدة لإبعاد أموال المضاربة عن الاقتصاد القطري الذي ينمو بمعدل يزيد عن 10 في المئة. وعلى رغم ذلك، خسر اليورو بعض قوته لمصلحة الدولار بسبب مخاوف حول كيفية معالجة منطقة اليورو لمشاكل اقتصاداتها المتعثرة. وفي الوقت ذاته، هدأت أسعار النفط بعدما قفزت هذا الشهر إلى أعلى مستوى في سنتين عند نحو 89 دولاراً للبرميل، وإن ظلت بعيدة عن مستوياتها القياسية المسجلة عام 2008. والعامل الآخر الذي يخفف الضغط على ربط العملات بالدولار هو أن التدفقات الرأسمالية التي زادت نتيجة السياسة النقدية الأميركية تجنبت إلى حد كبير الاقتصادات الخليجية التي تحاول التعافي من أزمة الائتمان العالمية ومشاكل الدَّين المحلي. وقال ليندون لوس، مدير تعاملات الصرف للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في «ستاندرد تشارترد» بدبي: «لم نر أي تدفقات ضخمة من أي صناديق تحوط أو متعاملين في العملة من أوروبا أو أميركا خلال الشهر الماضي». وأضاف: «إذا بلغ التضخم معدلاً يزيد على 10 في المئة وحدث ضعف شديد في الدولار، فإن الضغوط ستتجدد». لكن على النقيض مما حدث عام 2008، يبقى التضخم عند معدل يقل عن 10 في المئة في غالبية دول الخليج حيث تحجم المصارف المعرضة لعمليات إعادة هيكلة ديون عن الإقراض. وقال كبير الاقتصاديين في «البنك السعودي - الفرنسي» جون سفاكياناكيس: «على رغم المرحلة الراهنة من ضعف الدولار، تُستبعد العودة إلى مستويات التضخم تلك حتى نهاية عام 2011». وقال كبير الاقتصاديين في دائرة المال في دبي محمد إشفاق في ورقة بحثية قبل أشهر: «ستستمر هذه الحال بضع سنوات أخرى، على رغم أن زيادة تنويع الاقتصاد الإماراتي، خصوصاً في النشاطات المالية، ستعطي مسوغاً أكبر للتحول إلى أسعار صرف مرنة».