حكومة الرئيس الباكستاني، آصف علي زرداري، كانت الى وقت قريب، أقرب الى المحور الاميركي منها الى الصين. ولم يخف السفير الصيني في باكستان استياءه ازاء القرب هذا. والمؤسسة العسكرية الباكستانية التي تميل نحو الصين، انتقدت التحالف مع اميركا، وكانت منزعجة من السماح للأميركيين بإنشاء قاعدة بحرية في أورمارا في إقليم بلوشستان، واطلاق يد الشركات المتعاقدة مع وزارة الدفاع الاميركية في باكستان. وفي مرحلة ما بعد الرئيس برويز مشرف، خرج الجيش منهكاً وضعيفاً. ولم يسعه سوى غض النظر عما يجري. واستمر الوضع هذا إلى 2009، حين تمكن الجيش من استعادة نفوذه في دهاليز السلطة الباكستانية، وصار يسيطر على آلية اتخاذ القرار في باكستان. وزرداري لم يستشر مبعوثه في واشنطن، السفير حسين حقاني، الذي ينصح الرئيس بالبقاء على مسافة من الصين، بل اجتمع مع قائد الجيش، الجنرال أشفاق برويز كياني. والزيارة لا يترتب عليها ارتماء باكستان في حضن الصيني، والابتعاد عن الولاياتالمتحدة. ولكنها تشير الى اعادة صوغ باكستان علاقاتها واحلافها. فواشنطن، على رغم تقديمها المساعدات المالية والاقتصادية الى باكستان لقاء دعم قوات الناتو، وقتال الجيش الباكستاني ضد المسلحين في منطقة القبائل، لم تؤيد باكستان في صراعها الإقليمي مع الهند. ودعت الى تعزيز الحوار والتجارة بين الهند وباكستان، عوض حل قضية كشمير. وخلال جولة الحوار الاستراتيجي بين واشنطن وإسلام آباد، طلب من إسلام آباد عرض خطة شاملة للقضاء على شبكة جلال الدين حقاني، شمال وزيرستان. والشبكة هذه هي محور أساسي في القتال ضد القوات الاميركية، شرق أفغانستان. ولكن الجنرال كياني، قائد الجيش، يرغب في الحوار مع شبكة حقاني، ويرى أن الشبكة هذه تسهم في ضمان أمن المنطقة، في المستقبل. وسعى الأميركيون في الحوار مع جلال الدين حقاني وابنيه سراج الدين ونور الدين وحركة طالبان. ولكن جهودهم باءت بالفشل. وواشنطن تحاول حمل باكستان على بدء حملة عسكرية جديدة في شمال وزيرستان، وهي مستعدة لاستخدام عصا المؤسسات الدولية الدائرة في الفلك الاميركي، إذا لزم الأمر. وأعلن مساعد مدير صندوق النقد الدولي للشرق الاوسط ووسط آسيا ان هذه المؤسسات قد تحجم عن منح القروض الى باكستان. فتعجز هذه عن تسديد الديون. ونشرت صحيفة «دون» الباكستانية، أخيراً، خبر إلغاء الحكومة الباكستانية مناقصة دولية لبناء محطات لتوليد الطاقة في باكستان، وتلزيم شركة صينية بناء محطة لتوليد الطاقة بقدرة 1100 ميغاواط في القسم الباكستاني من كشمير بقيمة 2.2 بليوني دولار. وأحد أهم المشاريع الثنائية بين الصين وباكستان هو ميناء جوادور المطل على بحر العرب في إقليم بلوشستان، الذي افتتح في 2008. ووفرت الصين المساعدة التقنية ومولت 80 في المئة من تكاليف المشروع. وعليه، أرست الصين موطئ قدم لها على بحر العرب وعلى مقربة من الخليج. فهذا الميناء يبعد 180 ميلاً بحرياً عن مضيق هرمز. ووفرت الصين منفذاً لإقليم شينجيانغ على البحر من طريق ميناء جوادور. ويعزز المشروع هذا المصالح الاستراتيجية الباكستانية – الصينية الإقليمية. ويرى المحللون الاستراتيجيون في باكستان أن أموال الدعم الاميركي ستنخفض مع النصف الثاني من العام المقبل، موعد بدء الانسحاب الاميركي من أفغانستان، بل وربما يتوقف هذا الدعم كلياً، على وقع تعاظم العلاقات الاميركية الهندية. وباكستان تعد العدة لمثل هذا الاحتمال. ولذا، تلعب بورقتها الصينية للتغلب على المصاعب المقبلة. * صحافي، عن موقع «ايجيا تايمز أون لاين» في هونغ كونغ، 11/11/2010، اعداد جمال اسماعيل