صدرت حديثاً عن دار «رؤية» للنشر في القاهرة نسخة عربية من كتاب «الفولكلور في العهد القديم» لعالم الأنثروبولوجيا الأسكتلندي جيمس فريزر (1854- 1941م) ترجمة نبيلة إبراهيم. وتشير إبراهيم إلى أن فريزر نجح في أن يحصي ما في التوراة من تقاليد وعادات وتصورات بدائية، وأن يقوم بتحليلها وفحصها واستبيان كنهها من طريق المنهج الأنثروبولوجي المقارن. وأشار فريزر إلى الهدف من الدراسة في مقدمة الكتاب بقوله: «حاولت أن أسير على هدى الدراسات الفولكلورية متعقباً بعض معتقدات الإسرائيليين القدماء وأنماط سلوكهم الفكرية والعلمية في المراحل الأكثر قدماً وفجاجة، ومن الممكن النظر في تاريخ بني إسرائيل في ضوء أكثر صدقاً، وإن يكن أقل رومانسية، بوصفهم شعباً لا يميزه الوحي الإلهي عن غيره من الشعوب الأخرى ذلك التمييز العجيب، بل هم شعب تطوَّر كبقية الشعوب من مرحلة بدائية يسودها الجهل والهمجية، من طريق عملية انتخاب طبيعي بطيئة». فإذا نظرنا إلى التوراة في ضوء ما أوضحه فريزر، سنجد أن الدين اليهودي تكتنفه بعض مظاهر عبادة الأوثان، إذ قدَّس شجرة البلوط مثلاً على أساس تصورات خرافية، منها أنها مأوى الجن والأرواح، ومع مرور الزمن بات اليهود يقيمون قبر من يعتقدون أنه من أولياء الله عند بلوطة خضراء، يتصورون أن روحه تسكنها، فيتوسلون إليه أن يحقق لهم أمراً من الأمور. ووفق التوراة كان يعقوب قد رأى فيما يرى النائم حجراً انتصب فوقه سلماً أخذت الملائكة تصعد وتهبط عليه، فلما استيقظ نصب الحجر وصبَّ فوقه الزيت وعدَّه مقدساً، ومنذئذٍ أصبح الحجر مقدساً لدى العبريين القدماء. وفي هذين المثلين وغيرهما يلاحظ أن اليهودي كان يسعى دائماً الى أن يكون بينه وبين الرب وساطة حسية تُعد من وجهة نظره مقدسة قداسة الرب، فالبلوطة مقدسة والحجر مقدس والذبيحة المشطورة التي يمر الرب بين شطريها في شكل دخان مقدسة كذلك. وعلى هذا النحو تتمثل قوة شمشون الجبار في ما يستمده من الإله من قوة، بل كانت قوته في خصلات شعره التي لم تُقص قط منذ نعومة أظفاره ولم يكن يعلم بهذا السر سواه، فقذ بذل أعداؤه جهداً ضائعاً في سبيل القضاء عليه ومن ثم لجأوا إلى حبيبته دليلة ورشوها بالمال حتى تكشف لهم عن مكمن قوته. وقصة شمشون مع دليلة معروفة بوصفها تراثاً شعبياً روائياً، وهي تكشف عن اعتقاد شعبي قديم مؤداه أن قوة الإنسان أو روحه تكمن في جزء ما من جسمه أو في أي شيء مادي خارج جسمه. فإذا استطاع شخص ما أن يهتدي إلى معرفة مكمن هذه القوة أو الروح، وأن يصيبها بضرر، فإن الضرر سرعان ما ينتقل إلى الشخص المعني، فيصاب بأذى قد يفضي به إلى الموت. فإذا انطلقنا بعد ذلك إلى طريقة تشخيص التوراة للرب فإننا نجد في هذا التشخيص أثر المعتقدات والتصورات القديمة من ناحية، كما نلاحظ من ناحية أخرى عدم مقدرة اليهود على السمو بالخالق وتنزيهه عن الصفات البشرية. فقد ظهر الرب ليعقوب في صورة إنسان أمسك يعقوب بتلابيبه حتى لا ينفلت منه إلا بعد أن يباركه ويبارك قومه، وكأنه لم يكن ليحصل على بركة الرب إلا على هذا النحو. كان العبريون القدماء يعتقدون أن القيام بتعداد السكان يجلب عليهم الشر. فقد ورد بين حكايات سفري صموئيل أن يهوه أو ربما الشيطان قد أوحى إلى الملك داوود بفكرة مشؤومة مؤداها أن يقوم بتعداد قومه، وكانت عاقبة هذا العمل حلول الكارثة ببني إسرائيل، فقد تناقص عددهم عقب ذلك مباشرة نتيجة انتشار وباء الطاعون بينهم. ويفسر هذا الاعتقاد بأن الأرواح الشريرة تظل متربصة بمن يملك عدداً من الأغنام والماشية أو عدداً من الأبناء، فإذا علمتُ عددهم على وجه التحديد أصبتهم بأذى. ومن ثم من يضطر إلى عد شيء يمتلكه فإنه يراوغ في العد على سبيل خداع الروح الشريرة!