عادت الحياة إلى صحراء منطقة «سيلين» ومحمية خور العديد على بعد 80 كيلومتراً من الدوحة، مع انطلاق موسم «التخييم» الذي يجذب المئات من القطريين والمقيمين، خصوصاً الشباب الذين يُبكرون ويسابقون الزمن للظفر بمساحات لنصب خيمهم طيلة ستة أشهر كاملة. فهذا الموسم يشهد أيضاً إطلاق عروض «التفحيص» بسيارات الدفع الرباعي، والهروب إلى «مجالس السوالف» والضحك والسمر بعيداً من ضغوط العمل ورتابة الحياة في المدينة. تساقطت في الدوحة الأسبوع الماضي أولى زخات المطر لهذا العام، وبدأ الحر يخف تدريجاً، ما انعش النفوس الذي تتوق لخمسة أشهر في السنة، هي الأجمل لقاطني هذا البلد الخليجي. ومعها بدأ تدفق الناس إلى الصحارى والكورنيش، للاستمتاع بالطقس البارد بين تشرين الأول (أكتوبر) وحتى نيسان (أبريل). زخات المطر تلك استبشر بها الشباب القطريون والمقيميون بدرجة أولى لتزامن فصل الشتاء مع إجازة عيد الأضحى، فبات أمامهم خيارات وهوايات كثيرة، لعل ابرزها التخييم و «التفحيص»، بينما يصبح السفر إلى دول الخليج وأوروبا لقضاء إجازة العيد، بديلاً ثانوياًَ في هذا الموسم الجميل، خلافاً لفصل الصيف الذي يؤدي الى «هجرة» الآلاف إلى خارج قطر، هرباً من الحر والرطوبة العالية. وككل سنة في مثل هذا الوقت، أعلنت وزارة البيئة قبل أيام انطلاق موسم التخييم، واستنفرت المؤسسات الصحية لتنصيب خيم صحية ومراكز إسعاف طيلة الموسم، لتشجيع الناس على نصب خيمهم في الصحراء والاستمتاع ببرودة رمالها، تزامناً مع إجازة العيد. إلا أن الإقبال على «التخييم» والظفر بخيمة في صحراء سيلين أو خور العديد يؤجرها الأشخاص والعائلات، قد يبدو حلماً ليس في متناول الجميع، بعد أن حددت وزارة البيئة السعر ب 10 آلاف ريال (الريال القطري يساوي 3.65 دولار) لمساحة التخييم، ناهيك بتكاليف تجهيز الخيمة طيلة ستة أشهر كاملة، والتي تفوق 300 ألف ريال. كذلك لا تبدو المجمعات السياحية التي تشرف عليها بعض الجهات الحكومية والخاصة في متناول الجميع بسبب هاجس الغلاء نفسه، على رغم نوعية الخدمات والفخامة التي توفرها لنزلائها. ولأن الخيم تبقى الوجهة الفضلى للقطريين الذي يبحثون عن استعادة سير أجدادهم في العيش في بداوة الصحراء وقهرها، فإن هاجس الغلاء الذي يهزم الوافدين الذين جاؤوا أصلاً لجمع المال، لا يثني أبناء البلد عن هواية التخييم ولا يقلل من إصرارهم خصوصاً الشباب الذين تعودوا أن يتضامنوا مالياً لتوفير التكاليف اللازمة ولو اقتضى الحال الاقتراض. فكل شيء يهون في سبيل الهروب من رتابة الحياة في المدنية والبحث عن هدوء الصحراء وممارسة هواية «التفحيص» فوق الكثبان الرميلة، التي تستهوي المئات من الشباب القطريين بشكل خاص، على رغم خطورتها والحوادث التي تتسبب فيها باستمرار. وبعد إعداد العدة والمؤونة من تجهيرات ومكيفات ومياه شرب، تنصب العائلات والشباب الخيم الجاهزة في مساحات مستأجرة سلفاً، وتحيط تلك الخيم الصغيرة بأخرى كبيرة تسمى «المجلس»، تلتقي فيها العائلات والشباب على نار هادئة يوقدونها لإعداد الشاي أو القهوة العربية الأصيلة، فيتعارفون ويخوضون في «سوالف» وحكايات يغلب عليها عشقهم للصيد والبحر، وسيرة الأجداد والطرف والنكات. والقاعدة الأساسية لقاطني الخيم أن كل حديث في المجالس مباح إلا الحديث عن العمل، إذ لا مجال «للتنغيص» على راحة جاؤوا يطلبونها وسط الصحراء. ويبدو المشهد أشبه بالمعسكرات الكشفية اذ يتقاسم أفراد العائلة الواحدة أو شلة الشباب المهمات، وتقسم الأدوار فلا مجال للاتكال على الأم أو الأخت لتجهيز الأكل أو ترتيب الخيمة، كما لا وجود لخادمة تتولى القيام بذلك، مثلما هي الحال في المدينة. ولئن كان البحر يستهوي عشاق الصيد، فإن الفتيات يجلسن للسمر والسوالف في الخيم، يصلن الليل بالنهار في أجواء آمنة وهادئة. واللافت أن الكثير من عشاق التخييم يتعمدون قضاء إجازتهم السنوية في الخيم، بدل السفر. أما المرتبطون بالدوام اليومي في الوظيفة، فإنهم سرعان ما يعودون إلى الخيم بعد نهاية ساعات الدوام، ولا يبارحون الخيم خلال إجازة نهاية الأسبوع التي تحتكر فيها العائلات التخييم، بينما تخصص للعزاب مناطق منعزلة، ولا يسمح لهم بالمبيت. على الجانب الآخر، وخلافاً لعشاق التخييم، فإن فئة أخرى، غالبيتها من المقيمين العرب والأجانب تغزو بكثافة كورنيش الدوحة المطل على البحر، حيث تشتد حركة السير كل مساء، خصوصاً في عطلة نهاية الأسبوع، فتفترش العائلات من قطريين ومقيمين عشبه الجميل لشرب الشاي والقهوة، أو حتى تناول العشاء إلى ساعة الصباح الأولى. ولا يكاد يخلو طريق الكورنيش من عشاق رياضة المشي، ممن ازدادت أو أوزانهم أو خشوا من ذلك، فتجدهم هناك في الصباح الباكر وقبيل المغرب يمارسون هواية المشي على مدار الفصول.