مع إعلان «القائمة الطويلة» لروايات بوكر في دورتها الرابعة تكون هذه الجائزة رسّخت وجودها وفعلها في الحياة الأدبية العربية، وأصبحت «موسماً» يتابعه الجميع. روائيون وناشرون ونقاد وقراء كثر باتوا يترقبون المسابقة ويتابعون أخبارها وتفاصيلها، وحتى الإشاعات والنميمة التي ترافق دوراتها وتواكب مراحلها منذ بدايات المشاركات الروائية، وصولاً الى إعلان الفائز بالجائزة الأولى. ما بات مؤكداً –على رغم كل الخلافات والاختلافات – هو إقرار الجميع، صراحة أو ضمناً لا فرق، بما أحدثته الجائزة من حراك في ساحة الرواية العربية، وهو حراك ذهب بنا ولا يزال الى التماس اهتمام أكبر لدى الناشرين العرب بالرواية، والسعي للمشاركة بروايات تنشرها دورهم، مع طموح لحصول إحدى منشوراتهم الروائية على جائزة بوكر، أو في الأقل الوصول الى القائمة القصيرة، أو في أضعف الأحوال القائمة الطويلة، بما يعنيه الوصول من وضع الروايات الفائزة في بؤرة ضوء تحتاجها في سعيها وسعي كتابها للرواج والقراءة الواسعة. ليس غريباً في حالة كهذه أن تطلق «القائمة الطويلة» شغفاً لدى كثر من القرّاء للبحث عن رواياتها وقراءتها، وتكوين رأي فيها، بل والمقارنة بينها، ومن ثمّ إعلان توقعات ما في شأن الروايات التي يرشحها هذا القارئ أو ذاك للوصول الى «القائمة القصيرة»، وتصعيد هذه الترشيحات بعد ذلك لتوقُع الرواية الفائزة بالجائزة الأولى. أقول هذا وأعرف أن الدورات الثلاث السابقة ساهمت – بدرجات متفاوتة – في زيادة توزيع عدد كبير من الروايات التي سبق أن وصلت الى القائمة الطويلة، مثلما حفّزت بعضاً من كبار النقاد ودارسي الأدب، على أخذ روايات تلك القائمة في دائرة اهتمامهم والكتابة عنها في الصحف اليومية والمجلات الأدبية المتخصّصة، وكلُها وقائع ما كان لها أن تحدث بهذا الزخم الكبير من دون هذا الحضور المتصاعد للرواية العربية في وعي القراء العرب واهتماماتهم. يصف بعضهم ما يجري بأنه «حمّى بوكر»، ويريدون لهذا الوصف معنى سلبياً فيعلنون صراحة أن إغراء الجائزة دفع ويدفع الكثيرين ممن لم يسبق لهم كتابة الرواية إلى كتابة روايات للمشاركة في مسابقة الجائزة، وهو قول لا يخلو من بعض حقيقة، وإن كنت لا أراه سلبياً ولا ضاراً، بل على النقيض من ذلك تماماً، أعتقد أن الرواية العربية تحتاج حقاً الى تحفيز معنوي ومادي، بل وبتحديد أكثر تحتاج نوعاً من إقناع للكتاب بجدوى الكتابة، في زمن عربي يذهب أكثر فأكثر بعيداً من الكتاب بكلّ أنواعه وأجناسه الأدبية. وهو تحفيز ينطوي بالضرورة على إثارة جدل نقديّ حول أسئلة الرواية (وهي بالمناسبة أسئلة الحياة العربية ذاتها)، مع ما يعني ذلك من ردّ اعتبار ولو جزئيّ ومحدود الى روح القراءة، والى علاقة تبدو شاحبة وملتبسة بين الكتابة الإبداعية العربية، والنقد، والتي تبدو أقرب الى حالة قطيعة ضارة وغير مبرّرة. هل صدقت الترجيحات بأن دورة هذه السنة تتوجه نحو روايات الكاتبات العربيات؟ شخصياً سمعت بعض هذه التوقعات قبل إعلان «القائمة الطويلة»، وجاءت تفاصيل القائمة بسبع روايات لكاتبات نساء. وسواء كانت هذه النتائج تصديقاً لتلك التوقعات، أو أنها محض مصادفة، إلا أن الحالتين لا تمنعاني من التعبير عن فرح خاص، بهذا الحضور الفاعل للرواية التي تكتبها الكاتبة، كيلا أقع في الخلط المغلوط وأقول «الرواية النسائية»، التي لم أكن يوماً من القائلين بوجودها إلا في تلك الحدود السلبية والبالغة الضيق التي تتموضع فيها بعض أعمال ضيقة الأفق، ترى صاحباتها أن الصراع في العالم هو بين المرأة والرجل. بعد دورات ثلاث من بوكر الرواية العربية لاحظ نقاد ومثقفون بارزون ظاهرة انحسار مقولة المركز والأطراف، خصوصاً أن خريطة الرواية العربية اليوم تضعنا أمام إبداعات روائية متقدمة تأتي من بلدان ومدن عربية مختلفة، ناهيك بأن الرواية ذاتها أخذت تطوّر أدواتها الفنية، وتستفيد من تجارب الرواية العالمية، خصوصاً عبر نماذجها الأكثر أهمية. وكما هي دورة للروائيات النساء، هي أيضاً وعبر قائمتها الطويلة تعكس حضوراً متزايداً لكتاب بلدان المغرب العربي، وهي علامة صحية نظراً الى التطور النوعي والكمّي الذي تشهده الرواية في تلك البلدان العربية. أبرز ما ترسّخ من شروط بوكر هو أنها أولاً وقبل أي اعتبار آخر جائزة للرواية وليست للروائي. وذلك مهم، بل بالغ الأهمية لأنه ببساطة يفتح باباً واسعاً للجميع ليتنافسوا برواياتهم الجديدة بعيداً من سطوة الاسم أو نجومية الكاتب.