لم تكن الشاشات التلفزيونية اللبنانية في حاجة إلى برنامج جديد عن الطبخ وفن المطابخ والمآكل، بخاصة أن هذا النوع من البرامج غزا منذ سنوات كل الشاشات الأرضية والفضائية، وبعضها أصبح متخصصاً في هذا المجال، ناهيك بالشهرة التي نالها طباخون محترفون ملأوا الأسواق بوصفاتهم وكتبهم. لكن على «نار لطيفة»، الذي تعرضه قناة «او تي في»، ويبدو من شكله الخارجي برنامجاً للطبخ بتوقيت مسائي مخالف تماماً لكل أوقات هذه البرامج - باستثناء فترة شهر رمضان-، هو برنامج يكاد أن يكون متنوعاً، أولاً بالحضور الظريف للسيدة السبعينية لطيفة سعادة، المعروفة ب «تيتا لطيفة»، وثانياً بالوجوه المتجددة والطبخات المتنوعة التي يطهوها هواة غير مشهورين، وثالثاً بالأحاديث العفوية التي تدور في هذا المطبخ – الأستوديو، والتي تمنحها السيدة لطفاً كما منحت اسم البرنامج، بعضاً من لطفها فتغدو وكأنها تدور في أي مطبخ بين سيدتين عاديتين. لا هيبة للكاميرا امام ال «تيتا»، ولا يمكن تلك الآلة أن تضبط حركاتها وعفويتها، فإن خطر على بالها الرقص رقصت، وان عنّت على فكرها نصيحة قالتها، وان استحسنت شيئاً اشادت به، وكل ذلك مع حفاظها على مكانة سنها وتشجيعها ضيوفها على غرار ما يشجع كبار السن الآخرين ب «عفاك يا شاطرة». ما حققت ال «تيتا لطيفة» تلفزيونياً ليس قليلاً، فتلك السيدة التي تكاد سنها تلامس الثمانين عاماً، تسللت بالأمس القريب الى الشاشات من خلال مشاركتها في إعلانات وفيديو كليب وبرامج منوعات، حتى أصبحت أخيراً صاحبة برنامج يجمع كل هذه الأمور من خلال نارها اللطيفة، باستضافة هواة طبخ من عامة الناس، نساء ورجالاً وحتى أطفالاً، يقدمون من خلاله وصفات يجيدون طهوها في نصف ساعة يومياً. وتكمن أهمية ما أنجزته ال «تيتا» ليس بتمكّنها بسنها المتقدمة وابتسامتها الدائمة، وإن أظهرت علامات العمر المديد على وجنتيها، من اقتحام الشاشات والقلوب، إنما بتمسكها بحلم راودها 70 سنة بأن تصبح ممثلة مشهورة، لكن الأهل، والزوج لاحقاً، حالوا جميعاً دون دخولها هذا العالم، لكنها لم تيأس، وأدت قسطها للعلى في الطاعة والزواج والتربية، ثم ما لبثت أن اقتنصت الفرصة لتقتحم تلك الشاشات السود ناشرة فرحاً وظرفاً بحضورها وإطلالتها. والأمر الذي يستحق الوقوف عنده هو ان ما يحبه التلفزيون ليس تلك الوجوه التي تصنعها مباضع جرّاحي التجميل، ولا حقائب بائعي المستحضرات، بل ما يحبه التلفزيون هو انسان صادق وواضح وظريف فيحتل القلوب بسهولة وإن بلغ من العمر عِتِيّاً.