لن نعرف أبداً، على الأرجح، كيف أمضى الرئيس الأميركي ليلة الأوسكار، وكيف كان شعوره حين باغته أهل جوائز الأكاديمية بإعطاء أوسكارهم الأهمّ (أفضل فيلم) للفيلم «الزنجي» «مونلايت» بعدما كانت كل المؤشرات تدل، بل حتى الإعلان عن الجائزة نفسه دلّ على ذلك خلال الحفلة ولما لا يقل عن دقيقتين قبل أن يتمّ تصحيح الخطأ في سابقة أوسكارية غريبة، على أن هذه الجائزة التي يتطلع إليها كل سينمائي منذ ما يقرب من تسعين عاماً، ستذهب هذه المرة إلى الفيلم «الأبيض» النظيف «لالا لاند». لا نعني بهذا أنه معروف عن الرئيس ترامب شغفه بالفن السابع وتفضيله فيلماً على آخر من منطلقات جمالية وإبداعية، لكننا نشير تحديداً إلى أن الفيلم الذي فاز في نهاية المطاف، ليس من النوع الذي قد يروق لسيد البيت الأبيض. فهو، بعد كل شيء، يجمع في بوتقة واحدة ثلاثة أبعاد تنتمي إلى ما لم يبد أن ترامب يستسيغه: فهو فيلم «زنجي» عن «الزنوج»، وهو فيلم يتناول المثلية الجنسية في موضوعه الأساس، ثم أنه فيلم مليء بالمخدرات من أوله إلى آخره. وعلى رغم هذه «العيوب» لم يتورع أهل الأوسكار عن إعطائه جائزتهم الكبرى ليكون بذلك أول فيلم «أفريقي أميركي» ينال هذا الشرف في تاريخ هوليوود منذ عقود طويلة، ملحقاً نوعاً من الهزيمة بواحد من مفاخر هوليوود الجديدة، فيلم «لالا لاند» الذي لم «يخرج من المولد بلا حمص» على أي حال. «لالا لاند» المعتبر ظاهرة منذ شهور والذي أعاد إلى الكوميديا الموسيقية رونقها بعد غيابها الطويل، تمكن من أن يحصد ما لا يقل عن سبع جوائز من بين الأربع عشرة التي رُشّح لها، ومن بينها جائزة أفضل مخرج لداميان شازيل وأفضل ممثلة لإيما ستون وأفضل موسيقى وأفضل أغنية، ناهيك عن أفضل تصوير وصوت وديكور. في المقابل لم يكتف «مونلايت» بالجائزة الأكبر بل حصل أيضاً على واحدة من الجوائز الأكثر جدية، أوسكار أفضل سيناريو مقتبس، إضافة إلى جائزة أفضل ممثل في دور ثانوي ذهبت إلى ماهرشالا علي في دور جوان. في وقت ذهبت جائزة أفضل ممثلة في دور ثانوي إلى الأفريقية الأميركية الرائعة هي الأخرى فيولا دايفيز عن دورها في فيلم «حواجز» من إخراج دنزل واشنطن، الذي أخفق في الحصول على جائزة أفضل ممثل التي كان مرشحاً لها، ولنا أن نتصوّر كم كانت «فرحة» ساكن البيت الأبيض به «كبيرة» لو أنه نالها هو الذي كان من بين الذين خاضوا معركة قاسية ضد المرشح ترامب... ف «جاءت سليمة» بالنسبة إلى هذا الأخير، على الأقل! جائزة أفضل ممثل كانت من نصيب بطل فيلم «مانشستر على البحر» الذي حاز بدوره أكثر من جائزة رئيسية، من بينها جائزة أفضل ممثل، المستحقة ومن بعيد، التي نالها كيزي آفليك عن دوره في فيلم يعتبر على أي حال واحداً من أفضل الأعمال الإنسانية التي طلعت من هوليوود هذا العام. وحسبنا للتأكيد على هذا أن نذكر أن هذا الفيلم نال كذلك جائزة أخرى تعتبر عادة من الأكثر جدية في تعبيرها عن قوة فيلم ما: جائزة أفضل سيناريو كتب أصلاً للسينما. أما بقية الجوائز ومعظمها تقني فتوزعت على نحو نصف دزينة أخرى من الأفلام، ما سنعود إليه في كتابة مقبلة. ومع هذا بقي أن نذكر هنا على سبيل الختام، انتصارين آخرين جاءا على الأرجح ليزيدا من تعاسة الرئيس الأميركي في سهرة لم تحمل إليه الكثير من الأخبار الجيدة. فمن اثنين من البلدان التي منع ترامب مواطنيها من زيارة بلاده والتنعم بأفيائها الظليلة أتى فيلمان فاز كل منهما في فئته: من سورية أتى «الخوذات البيضاء» وهو عمل سوري فاز بأفضل فيلم قصير ويتحدث عن معاناة رجال الدفاع المدني في سورية الذبيحة. ومن إيران أتى الفيلم الذي لم يشكل فوزه بأوسكار أحسن فيلم أجنبي أية مفاجأة: «البائع» لأصغر فرهادي، وهو الفيلم الذي كان فاز بجائزتين في «كان» قبل شهور. صحيح أن هذا الفيلم لا يمثل النظام الإيراني، ولكن، هل يفرق السيد ترامب بين النظام ومعارضيه في أي من البلدان التي لا يحبها!