تزخر سفوح جبال السروات في منطقة عسير بشجرة تحمل قيمة اقتصادية وبيئية للمنطقة والمملكة، وذلك لدورها الكبير في الحفاظ على المياه والتربة، وتعديل المناخ وتلطيفه ومقاومة التلوث الجوي، فضلاً عن استخداماتها العلاجية. وتعد أشجار العرعر من النباتات المعمرة ودائمة الخضرة التي تنمو في المناطق الباردة، واعتمد عليها الإنسان في كثير من متطلبات الحياة منذ آلاف الأعوام. وتنشتر في المملكة في جبال السروات، خصوصاً الأجزاء الأكثر ارتفاعاً، مثل جبال السودة ومتنزه السحاب الذي يرتفع عن سطح البحر حوالى ثلاثة آلاف متر، وشعف بني مازن، وتكثر في الجهات الشمالية لعسير. وتتميز الشجرة بجاذبيتها الظليلة ورائحتها المنعشة لما تحتويه أوراقها من كميات وفيرة من الزيوت الطيارة، كما تساهم في زيادة خصوبة التربة وكسر شدة الرياح وتقليل الضوضاء، وهي من عوامل الجذب السياحي المهمة في المنطقة لاخضرارها الدائم وتشكيلها غطاء نباتي يجمع بين الجمال والظل. ووفقاً لدراسات طبية؛ فإن نبات العرعر يحوي علاجاً للأمراض الجلدية المزمنة، منها الصدفية، والأكزيما، والبثور، والدمامل، إلى جانب استخداماته في علاج رائحة الفم، وثقل المعدة، والشهقة، فيما استخدمه القدماء في الوصفات الطبية لعلاج أمراض القلب والقضاء على البكتيريا. وبحسب دراسة لعضو هيئة التدريس في جامعة الملك سعود الدكتور ابراهيم عارف، يوجد 52 نوعاً من أشجار العرعر حول العالم، ولها قيمة اقتصادية تتمثل في دورها الحيوي في الحفاظ على المياه والتربة ونمو الأعشاب، فضلاً عن كونها من أهم مصادر الأخشاب الجيدة الصلبة المقاومة للآفات. وكان المدير العام للزراعة في المنطقة المهندس فهد الفرطيش أوضح أن «الاحتفاء بمدينة أبها عاصمة للسياحة العربية العام الحالي، فرصة كبيرة للتذكير بأهمية هذه الشجرة التي أصبحت أيقونة للسياحة في عسير، وتتطلب جهوداً متكاملة من الجهات الحكومية الاختصاصية والمواطنين للمحافظة عليها من الانقراض». وأضاف الفرطيش في حديث إلى وكالة الأنباء السعودية (واس)، أن «العرعر شجرة معمرة دائمة الخضرة تنمو في المناطق الباردة وتشكل غالبية الغطاء الخضري في منتزهات المنطقة، والتي يبلغ عدد زوارها سنوياً حوالى 3.5 مليون زائر». وأشار إلى أن العرعر تواجه كغيرها من أشجار المملكة «القليلة نسبياً»، خطر التلاشي وربما الانقراض لأسباب عدة، أهمها التوسع العمراني وشق الطرق، وبعض ممارسات زوار المناطق السياحية المضرة، مثل إلقاء المواد البلاستيكية في منابتها وإشعال النار، إضافة إلى التعديات العشوائية على مناطق الغابات وقطع الأشجار. وتتخذ الجهات المعنية، خصوصاً إدارة المتنزهات في عسير، إجراءات عدة لمحاولة ردع المعتدين على تلك الشجرة النادرة، منها تعيين حراسات أمنية مدنية تابعة إلى الإدارة تحرس المنتزهات وممتلكاتها على مدار الساعة، وتطبيق غرامات مالية في حق المعتدين على الأشجار، إضافة إلى تنظيم الحملات التوعوية وورش العمل لتوعية المواطنين بأهمية الحفاظ على الغطاء النباتي. واستناداً إلى دراسات علمية، تتجدد أشجار العرعر طبيعياً من طريق البذور ذات الحيوية القصيرة نسبياً (من ستة إلى 12 شهراً)، ومعاملة البذور بماء مغلي أو حامض الكبريتيك المركز لدقائق عدة، تؤدي إلى زيادة النسبة المئوية للإنبات بحسب صلابة وسماكة البذور. وقال المدير الإداري لمنتزهات عسير الوطنية المهندس مريح الشهراني أن مراحل نمو الشجرة تمر بفترات زمنية مختلفة، مبيناً أن فترة إنباتها من 40 إلى 45 يوماً ونموها بطيء جداً، وتحتاج إلى ثلاثة أعوام حتى يصل طولها إلى 60 سنتيمتراً، ولذلك تتطلب عناية خاصة. وللحفاظ على ما تبقى من الغطاء النباتي لأشجار العرعر وتنمية زراعته، أنشئ فرع «الزراعة» في عسير مشتلين يتسعان ل15 ألف شتلة يضمان أكثر من سبعة آلاف شجرة عرعر جاهزة للزراعة، إضافة إلى ثمانية آلاف شتلة سبق زراعتها في متنزه الملك عبد العزيز في السودة. ولا تقتصر المشكلات التي تواجه الشجرة على عوامل التوسع العمراني والنفايات، فهناك مشكلات أخرى تتعلق بإصابتها ببعض الأمراض، إضافة إلى ظاهرة «الموت القمي». وأضاف الشهراني أن إدارة المتنزهات في المنطقة تعالج المشكلة بطرق عدة، منها إزالة جميع الأشجار الميتة واستبدالها بشتلات عرعر جديدة، وإزالة الأفرع الميتة وتقليمها، إلى جانب عمل عقوم ترابية لحجز مياه الأمطار، مؤكدًا أن للظروف البيئية دور في انقراض العرعر، فقلة الأمطار والضباب وتذبذبهما لفترات طويلة يؤدي إلى إجهاد الأشجار، ما يزيد من قابليتها للإصابة بالآفات الحشرية والأمراض.