الحركة في أعمال الفنان سمير فؤاد هي أول ما يسترعي الانتباه حين تطالع لوحات معرضه الحالي في قاعة «بيكاسو» في القاهرة تحت عنوان «لحم» والذي يستمر حتى منتصف الشهر المقبل. وفؤاد من خريجي كلية الهندسة عام 1966 وعمل لسنوات عدة في مجال برمجيات الحاسب الآلي، وأحب الفن لأنه من أسرة محبة ومتذوقة لكل أنواع الفنون، فدرس بشكل حر واقترب من الفنان المصري الراحل حسن سليمان ليتتلمذ على يديه. وكان لأسفاره وزياراته متاحف الفن في أوروبا نصيب أيضاً في صقل معرفته وبلورة موهبته حتى استقر على أسلوبه الذي عرف به. كان الأمر في البداية مجرد هواية. لكنه انساق وراءها إلى أبعد مدى حتى تفرغ لها بالكامل منذ عشر سنوات تقريباً. وظل أسلوبه القائم على الإيهام بحركة العناصر مرادفاً لأعماله منذ مشاركاته الأولى في العروض الجماعية وحتى إقدامه على العرض منفرداً في منتصف تسعينات القرن الماضي. ليسترعي انتباه النقاد والمتابعين له بأسلوبه الخاص في التعامل مع العناصر خصوصاً في معالجاته المرسومة بالألوان المائية. يعتمد فؤاد في أسلوبه على صياغات هي أقرب إلى السوريالية أحياناً في تصوير العناصر التي يتناولها، ويعتمد الحركة كعنصر رئيس وفاعل في معظم أعماله، فيؤكد عليها ويتعمدها بوسائل مختلفة. تتراوح معالجاته لهذه الحركة بين الحركة البسيطة التي تغلف اللوحة بنوع من المستويات اللونية المتباينة والمتجاورة، وأخرى تتسم بالقوة كما يبدو في تكراره لعناصره المرسومة في اللوحة الواحدة في حالة أشبه بشريط السينما أو الرسوم المتحركة. «لحم» عنوان صادم للوهلة الأولى، نظراً الى غرابته، أو عدم اتساقه مع ما يشير إليه، لكنه في الحقيقة يتسق تماماً مع طريقة فؤاد في التعامل مع موضوعات أعماله التي يغلفها عادة بنوع من الفلسفة والدراسة العميقة والمتأنية للعناصر والموضوعات التي يعمل عليها. ينتقي مفرداته من الطبيعة والبيئة المحيطة به، ويعتمد في رسمه للأشخاص على أناس يعرفهم ويعرفونه، لكنه لا ينقل كل هذه الأشياء أو الملامح كما هي، بل يضفي عليها الكثير من المتعة اللونية، والغرائبية أحياناً. فهو حين يتناول موضوعات الطبيعة الصامتة على سبيل المثال، لا يلجأ إلى تلك العناصر التي توارثتها ذاكرة التشكيليين على مر السنوات كباقات الزهور أو أطباق الفاكهة وغيرها، بل يلجأ إلى مفردات أخرى مختلفة كثمار الباذنجان والفلفل، أو مفردات أخرى صادمة كعظام الحيوانات ورؤوس الأسماك. مفردات تبدو غريبة وغير مألوفة، لكنها تدهش بجمالها وتناسقها داخل اللوحة، ويتعامل معها بالطريقة ذاتها التي يتعامل فيها فنانون آخرون مع باقات الزهر والفاكهة. وفي السياق ذاته الذي يتعامل به فؤاد مع تلك العناصر يأخذنا بعيداً من معانيها ودلالاتها المباشرة إلى معان أخرى أكثر عمقاً وثراء. ففي كل معرض من معارضه التي أقامها ثمة بحث وراء الخامة والمفردات والمعاني والإشارات التي توحي بها. وفي أعماله المعروضة حالياً في قاعة «بيكاسو» يعتمد الفنان المصري على تلك التداعيات المختلفة التي تثيرها كلمة «لحم» من الالتهام والافتراس إلى التضحية، ومن الحب إلى الغواية والشهوة. ويرى أن كل تلك المعاني المتنافرة والمتضاربة لا يفصل بينها سوى خيط واحد رفيع.