عشية قمة لشبونة التي تُعقد الجمعة ويُتوقع أن يؤكد فيها قادة حلف شمال الأطلسي (الناتو) التزامهم البعيد المدى باستراتيجية تسليم الحكومة الأفغانية تدريجاً مسؤوليات الأمن في أقاليم البلاد بحلول عام 2014، قامت «الحياة» بجولة ميدانية في ثلاث ولايات أفغانية عاينت خلالها التقدم الحاصل في مجالات عدة (الحلقة الاولى)، لا سيما الأمن والاقتصاد، قبل أقل من سنة من الموعد المفترض لبدء سحب القوات الأميركية في تموز (يوليو) 2011، بحسب ما أعلن الرئيس باراك أوباما. وإذ أظهرت الجولة التي شملت العاصمة كابول وولايتي هلمند (جنوب) وبلخ (شمال)، أن هناك بالفعل تحسناً كبيراً في الكثير من نواحي الحياة، إلا أنه كان واضحاً أيضاً أن طريق السلام ما زال بعيد المنال ومحفوفاً بالمخاطر. الجولة التي دامت أسبوعاً لمجموعة من الصحافيين العرب ورعتها وزارة الخارجية الأميركية، بدأت في كابول التي بدت مدينة تعج بالحياة، إذ اكتظت أسواقها بالباعة والمتسوقين، وغصّت شوارعها بطوابير من السيارات في زحمة سير خانقة. لكن العاصمة الأفغانية بدت أيضاً وكأنها «ثكنة عسكرية» أو نموذج مكرر ل «المنطقة الخضراء» في بغداد. فقد نشرت قوات الأمن الأفغانية حول مداخل كابول 25 حاجزاً أمنياً ثابتاً في ما يُطلق عليه «الحزام الفولاذي»، وفي داخل المدينة انتشرت الحواجز الاسمنتية حول المنشآت الحكومية ومقرات البعثات الأجنبية ووكالات الإغاثة الغربية. كما انتشر مئات المسلحين على مسافة أمتار فقط من بعضهم بعضاً في شوارع ضاحية وزير أكبر خان التي يسكن فيلاتها حالياً علّية القوم الأفغان بعدما كانت في أيام حركة «طالبان» مقراً لبعض قادة «القاعدة» والجهاديين العرب. أما في لشكرغاه، عاصمة ولاية هلمند ومعقل التمرد «الطالباني»، فقد ظهر واضحاً أن البريطانيين نجحوا إلى حد كبير في إنعاش المدينة بسلسلة مشاريع حرّكت اقتصادها، في خطوة يأمل التحالف الغربي بأن تتكرر في بقية الدوائر ال 14 في هذه الولاية المحاذية لقندهار، «العاصمة الروحية» ل «طالبان». ويُقر المسؤولون البريطانيون بأن التحسن الأساسي يحصل في دوائر «وسط هلمند»، في حين أن الوضع الأمني «ما زال صعباً» في عدد من الدوائر في شمال الولاية وجنوبها، مثل سانغين ومرجة اللتين تسلّمتهما قوات المارينز الأميركية لكنها ما زالت تجد صعوبة بالغة في منع «طالبان» من العودة إليهما. وعاينت «الحياة» أسواق لشكرغاه المكتظة بالمتسوقين وجالت في شوارعها الغارقة في زحمة السير، لكن ذلك لم يكن ممكناً «لأسباب أمنية» سوى من وراء «زجاج مصفح» في سيارات يحرسها رجال مدججون بالأسلحة. ولم يكن ممكناً سوى تفقد مشاريع معيّنة يمكن الحراس تأمين الوصول إليها وحمايتها، كزيارة مسجد ضخم تبنيه الإمارات العربية المتحدة ومدرسة زراعية ومصنع للرخام. وكان لافتاً أن الوصول إلى قلب لشكرغاه تطلب «إنزالاً» بطائرات مروحية عسكرية، كما كان حال مغادرتها إلى القاعدة الأساسية الأميركية - البريطانية (كامب لذرنك وكامب باستيون) في عمق صحراء هلمند، ما يؤكد أن الأوضاع الأمنية ما زالت غير مستقرة في «معقل المتمردين». أما في مزار الشريف، عاصمة ولاية بلخ الشمالية، فقد كان واضحاً أن الأوضاع الأمنية أكثر استقراراً، ربما لكون المدينة لا تضم سوى نسبة قليلة من البشتون، عصب التمرد الطالباني. وعاينت «الحياة» في مزار الشريف سلسلة مشاريع يقوم بها الأميركيون بهدف إيجاد فرص عمل للأفغان ومساعدتهم في إطلاق مشاريع اقتصادية. ويهدف أحد هذه المشاريع إلى التصدي لمرض فطري يفتك بنبتة القمح، قبل أن يصل إلى الحقول الأفغانية، مع العلم أن المرض قد انتشر في عدد من دول الشرق الأوسط، بما فيها إيران. وأكد مسؤولون غربيون كبار ل «الحياة»، خلال الجولة، أن اتصالات تجرى بالفعل بين الحكومة الأفغانية وقادة بارزين في حركة «طالبان»، على رغم نفي الملا عمر، زعيم الحركة، مثلَ هذه الاتصالات. وفي حين قال الممثل المدني الأبرز لحلف «الناتو» في أفغانستان البريطاني مارك سدويل إن هذه الاتصالات ما زالت في مرحلة «فتح قنوات الاتصال» بين الطرفين ولا ترقى بعد إلى مستوى «المفاوضات»، أكد السفير البريطاني في كابول السير ويليام بيتي أن السعودية تطلب موافقة خطية من الملا عمر للانخراط في ترتيب عملية المصالحة بين حكومة الرئيس حامد كارزاي وبين المتمردين، لكنها لم تحصل حتى اليوم على مثل هذا التعهد المكتوب. لكن مسؤولاً غربياً بارزاً قال ل «الحياة» إن بعض الذي شاركوا في الاتصالات الأخيرة مع حكومة كابول «زعموا أنهم جاؤوا بموافقة الملا عمر» وأنهم يمثّلون «شورى كويتا» التي تقود من باكستان التمرد في جنوبأفغانستان.