جليٌ أن الانتخابات النصفية الأميركية حازت اهتمام كثر هذا الأسبوع. لكن عدداً من الأحداث المهمة التي جرت في أميركا اللاتينية قد تكون لها تبعات مشابهة على المدى الطويل، بالنسبة الى تلك المنطقة على الأقل. اولاً، ومن دون سابق إنذار، توفي رئيس الأرجنتين السابق والمرشح المقبل نستور كيرشنر بسبب نوبة قلبية، ملقياً بلده في حال من التخبط السياسي. كان مقرراً ان يدخل دائرة المرشحين للتنافس في الانتخابات التي نظمها مع زوجته الرئيسة الحالية كريستينا فرنانديز العام المقبل، بدلاً من أن يعرضها لعملية إعادة انتخاب مؤلمة. وكانت فكرته ان يخوض الانتخابات (وأن يفوز طبعاً) بفضل سيطرته التامة على الآلة البيرونية (نسبةً إلى الزعيم الأرجنتيني الراحل خوان بيرون) القديمة والتي تشمل النقابات وحكام الأقاليم وصناديق التقاعد والمصارف المملوكة للدولة وغير ذلك. ويتعين عليها الآن خوض الغمار بمفردها. وارتفعت شعبيتها من انخفاض مخيف قبل عام وستحصل على تعاطف كونها أرملة، لكن ثمة مخاطر في الأفق. وتتلخص الصعوبات في التحقيقات في فساد الزوج الرئاسي وسيشكل ذلك أداة مغرية ليس فقط بالنسبة الى معارضي آل كيرشنر بل أيضاً للنيران الصديقة: المنافسون البيرونيون لكريستينا فرنانديز الذين ربما لم يجرؤوا على مهاجمة زوجها لكنهم لا يخشون أرملته. ثانياً، يوجد كثر في الأرجنتين وفي الخارج ممن يعتقدون بصدق أن على رغم بناء فرنانديز حياتها المهنية في السياسة بمفردها، فإن الدفع الأكبر جاء من زوجها وأنها في افضل الأحوال كانت متحدثة فصيحة باسمه بين الحين والآخر. ويعتقد المراقبون هؤلاء أن مع غياب نستور كيرشنر، ستواجه أرملته مصاعب كبرى، وأن حقبة آل كيرشنر ستنتهي قريباً. والسيناريو هذا ليس مستبعداً والتعاطف مع الراحلين لا يستمر إلى الابد (باستثناء حالة بيرون). وسيؤدي هذا إلى تبدل الميزان الجيو-سياسي في أميركا اللاتينية الذي كان آل كيرشنر ولأسباب عدة من داعميه الأساسيين، من دون ان يعني ذلك بالضرورة أن يكونوا من أتباع «البديل البوليفاري لأميركا اللاتينية» الذي يضم فيديل كاسترو وهوغو تشافيز وإيفو موراليس ودانيال اورتيغا ورافايل كوريرا، في تحالف يساري. وربما يستبدل «البديل البوليفاري» خسارته الأرجنتينية بربح برازيلي. فالرئيسة ديلما روسيف المنتخبة أخيراً تعتبر الوريثة السياسية للويس اغناسيو دا سيلفا (لولا). وترك انتصارها تأثيراً رمزياً هائلاً في البرازيل كأول امرأة تتولى الرئاسة. لكنها قد لا تكون معتدلة وعصرية على غرار لولا. فهي تأتي من تيار شعبوي تقليدي في السياسة البرازيلية كمؤيدة لليونيل بريزولا، الحاكم الكارزمي لريو دي جانيرو وغارندو دو سول الذي يعتبر سياسياً قومياً ومن الداعين الى دولة قوية، أكثر مما هي قائدة نقابية يسارية مثل لولا. كما انها تفتقر الى سيطرة لولا على حزب العمال الذي ينتميان اليه وقد تكون في حاجة إلى رئيسها السابق لمراقبة قادة الحزب او الخضوع لمطالبهم وهو ما لم يفعله لولا ابداً. وعلى رغم ميله إلى جذب الاهتمام والمواقف الكبيرة، كان لولا براغماتياً. وسيكون مفاجئاً إذا أثبتت روسيف أنها ليست اكثر تعلقاً بالأيديولوجيا والنزعتين القومية والشعبوية في السياستين الاقتصادية والخارجية. وسيبدل هذا ايضاً التوازن في اميركا اللاتينية. أخيراً، وبعد هزيمة تشافيز الانتخابية في فنزويلا في أيلول (سبتمبر) الماضي، بدأ حملة جديدة على معارضيه. لقد أمم (ومن دون تعويض) مصنع زجاج تعود ملكيته لأميركيين ويوفر الزجاجات لشركة «بولار بير» التي يقول تشافيز إنها تقدم الكثير من المال والدعم لمعارضيه. إلى أين ستقود هذه الأحداث الكبرى أميركا اللاتينية؟ وإذا اخذ في الاعتبار ان باراك اوباما قد اصبح ضعيفاً وأنه لم يبدِ اهتماماً خاصاً يزيد عن الصور التذكارية والشكليات، بأميركا اللاتينية، فإن الاتجاهات هذه قد تقابل ما رأيناه في العام الماضي. قد يصبح فوز البراغماتيين والوسطيين سيباستيان بينيرا في شيلي وخوان مانويل سانتوس في كولومبيا مجرد فرصة قصيرة قبل العودة الى الشعبوية المتشددة. وتنطوي العودة تلك على المزيد من المشكلات لأوباما. * وزير خارجية سابق في المكسيك وأستاذ متميز في جامعة نيويورك، عن «نيوزويك» الاميركية، 15/11/2010، إعداد حسام عيتاني