ودَّع الوسط الادبي في المغرب امس الأديب المغربي اليهودي الكاتب باللغة الفرنسية ادمون عمران المليح الذي كان توفي عن عمر يناهز 93 سنة، قضى قسطاً كبيراً منها في معترك الحياة بين النضال والتعليم والكتابة والصحافة ومتابعة الفنون الجميلة، جامعاً بين الفن الروائي والقصصي بكثير من العمق الوجداني والبعد الفكري، ومساهماً في التيار الفرنكوفوني مع إدريس الشرايبي وعبد الكبير الخطيبي ومحمد خير الدين وسواهم. ولد المليح سنة 1917 في مدينة آسفي المطلة على المحيط الأطلسي، وهو ينحدر من عائلة يهودية مشهورة سابقاً في مدينة الصويرة، أصوله أمازيغية وينتمي الى قبيلة آيت عمران جنوب الأطلس، كما تشير سيرة حياته. وقد نشأ بين المغاربة اليهود والمسلمين في مدينة آسفي، وعاش طفولة عادية، ونسج صداقات مع جيرانه المسلمين دون شعور بالاختلاف. وقد تحدث عن هذا الانفتاح في روايته الأولى «المجرى الثابت»، التي كتبها سنة 1980 وعمره يزيد عن ستين سنة، بعد تجربة عميقة في الحياة، وكانت أولى رواياته التي لفتت إليه أنظار الوسط الثقافي الفرنسي والمغربي معاً، باعتباره كاتباً مغربياً باللغة الفرنسية. وقد ترجم هذه الرواية إلى العربية الكاتب المغربي حسان بورقية. ثم توالت بعدها اعماله الروائية والقصصية، مثل: «أيلان أو ليل الحكي» (1983)، «ألف عام بيوم واحد» (1986)، «عودة أبي الحكي» (1990)، «أبنر أبو النور» (1995)، «حقيبة سيدي معاشو» (1998). كما ألّف كتاباً بديعاً عن الأم أسماه «امرأة، أم» (2004)، وآخر عن نفسه هو عبارة عن رسائل وجهها إلى ذاته، بلغة بديعة، وعَنْوَنَه انطلاقاً من ذلك باسم «رسائل إلى نفسي»، وصدر سنة 2010. وإضافة إلى هذه الأعمال السردية، التي تجمع بين التخييل الذاتي والتخييل الواقعي أو المستقى من الواقع وفق رؤية تتسم بالعمق الفكري والتسامح الانساني، أصدر المليح كتباً أخرى، منها كتابه البديع «العين واليد»، عن الفنان التشكيلي المغربي المتميز خليل غريب، كما أصدر كتاباً عن الكاتب الفرنسي الشهير جان جينه تحت عنوان «جان جينه، الأسير العاشق»، ضمه في ما بعد إلى كتابه «المقهى الأزرق»، الذي هو عبارة عن تأملات في الكتابة والحياة والفنون ومتابعة نقدية لمجموعة من الكتاب والفنانين، منهم خليل غريب، مصطفى النيسابوري، محمد خير الدين وسواهم. هذه الأعمال الأدبية والفكرية العميقة تركت أصداء في الوسط الثقافي المغربي كما في الوسط الثقافي الفرنسي، نظراً إلى العمق الفكري والتخييل الغني اللذين وسماها، ونظراً أيضاً إلى اللغة الأدبية القوية التي كتبت بها. هكذا حصل المليح سنة 1996 على جائزة المغرب الكبرى للكتاب عن مجمل أعماله، وترجمت معظم كتبه إلى العربية، وحظيت بمتابعات نقدية تشيد بها وبالعوالم السردية التي قدمتها. وصدرت عنه مجموعة من الدراسات والكتب، نذكر منها كتاب «إدمون عمران المالح : مسارات كتابة»، للناقد بوعزة بنعشير، وهو باللغة الفرنسية، وقد صدر عن دار لارمتان سنة 1997، وكتاب «الكتابة والهويات القاتلة»، للناقد يحيى بن الوليد، وهو باللغة العربية، وصدر عن منشورات مؤسسة إدمون عمران المليح سنة 2007.