اختار عدد من الأسر السعودية التي تعيش في جدة، خصوصاً حي «قويزة» الشهير «فريضة الحج»، بدلاً من العيش على أكوام ذكريات فاجعة السيول التي ضربت جدة في مثل هذه الأيام من العام الماضي، وأبت على نفسها إلا أن تغادر مع أول القوافل المتجهة ضمن قوافل الحجيج صباحاً إلى عرفات الله، قبل أن تدركها «غضبة الماء» التي لم تترك أخضر ولا يابساً إلا أكلته. وما أسرة علي زاهر التي فقدت ثلاثة من أفرادها خلال كارثة السيول التي اجتاحت حيهم السكني في جدة (قويزة)، إلا واحدة من تلك الأسر التي تركت وراءها كل الإشارات الممكنة التي تذكِرها ب «يوم الغرق المميت»، أو حتى تجعلها تتعاطى أمراً يعد من المحظورات في دواخل الأسر المكلومة. خفّت أسرة علي زاهر الذي فقد زوجته واثنين من أبنائه بعد عاصفة الماء التي هبت في «الأربعاء الأسود»، إلى مشعر منى، حيث التقته «الحياة» في يوم التروية (أمس) بصحبة الناجي الوحيد من فلذات كبده (زاهر)، ليؤكد أن حجه هذا العام يأتي في صالح أرواح زوجته وأبنائه، وبراً بقسم كان وعدهم إياه خلال العام الماضي، قبل أن تتخطفهم يد المنية، وأقدار الردى. وأشار زاهر إلى أن حجه الموسم الحالي جاء لسببين رئيسين لا ثالث لهما، وقال ل«الحياة»: «ها أنذا أبلغ مرادي الذي عشت من أجله عاماً كاملاً، وأبر بقسمي الذي أقسمت به بعد فقد زوجتي وأبنائي، وأحمد الله على ذلك، وسأدعو الله فوق جبل الرحمة، وعند المشعر الحرام، أن يغفر لهم ويكتب لهم هذه الحجة»، مذكراً أنه لن ينسى وعد ابنته الصغيرة (فقدت أثناء كارثة السيول) الذي وعدها أن يأخذها إلى الجمرات لكي ترمي الشيطان». وأوضح أن عدداً كبيراً من ذوي الشهداء الذين راحوا ضحية السيول، خصوصاً من حيه المنكوب (قويزة)، جاؤوا لأداء فريضة الحج تيمناً بهذا المنسك العظيم، وتبرعاً منهم بجزائه وأجره لأسرهم وذويهم الذين قضوا غرقاً. وتابع: «إن عدداً كبيراً من سكان حينا، ومن جيراننا خصوصاً ممن ذهب أحباؤهم ضحية الكارثة المشهودة جاؤوا إلى هنا لأداء فريضة الحج، واهبين أجرها لمن فقد من أهلهم وذويهم، ومنهم من ذهب الآن إلى مكةالمكرمة لأداء طواف القدوم، ومنهم من هو موجود هنا في منى». ولفت رب الأسرة المتوفى منها أبناء وزوجة، إلى أن عدداً من ذوي الخير والميسورين نظموا عدداً من الرحلات المخفضة لمن أراد الحج من أسر شهداء الكارثة، وقدموا عدداً من التسهيلات لهم في هذا الشأن. وزاد: «كثير من أصحاب الحملات التي رخص لها في الحج، ساعدونا كثيراً في التسجيل في هذه الحملات، وقدمت لنا العروض المخفضة التي تساعدنا على إتمام فريضة الحج، لدرجة أن بعض أصحابها كانوا يتساهلون معنا كثيراً في مبالغ الحملات، ولا يغالون في الأسعار»، ملمحاً إلى أن هذا الأمر ساعد في انضمام كثير من أسر الضحايا إلى هذه الحملات، خصوصاً أن غالبيتهم يعدون من ذوي الدخل المحدود.