3.54 في المئة هي نسبة متعاطي المخدرات في لبنان بين من هم دون ال 18. ربما تكون هذه النسبة غير ذات دلالة بالنسبة الى كثيرين، إلا أنّها تعني تجاوز الخطّ الأحمر لكلّ من يعي أنّ هذه النسبة تؤشر الى انتشار ظاهرة المخدرات بين الفئات العمرية الصغيرة. أمام هذا الواقع، تتجه الأنظار الى المدارس اللبنانية أولاً اكانت خاصة أم رسمية، فهل الرقابة المدرسية غير قادرة على السيطرة على طلاب يتجاوزون كلّ القوانين والإجراءات بحيازتهم حبوباً مخدّرة داخل الحرم المدرسيّ، ما يجب أن يخضعهم للعقوبات ذاتها التي تفرض على حيازة الأفراد للمواد المخدرة الأخرى؟ في كلّ مرّة يُطرح فيها موضوع انتشار المخدّرات في المدارس اللبنانية، يثور أهالي الطلاب ضد طرح مثل هذه المواضيع التي تزيد من القلق تجاه المخاطر التي يمكن أن يتعرّض لها اولادهم في المدرسة. إلا أنّ السكوت عمّا يحدث هو تواطؤ في الجريمة الكبيرة التي يروح ضحيتها أطفال لم يصلوا حتى الى السنّ القانونيّة للمحاكمات. وتكمن الخطورة في انتشار أنواع جديدة و «خفيفة» نسبياً من المخدرات تأتي بأشكال مغرية للمراهقين وهي حبوب «الأكستسي» (Ecstasy) التي تباع بأسعار في متناول الأولاد. والتقت «الحياة» مرشدتين اجتماعيتين من مدرستين مختلفتين، تحفّظنا عن ذكر اسم المدرسة. وقالت المُرشدة إيليان م. أنّ المدارس في لبنان باتت تواجه خطراً سلوكياً كبيراً من قبل الطلاب، «فالأمر لم يعد مقتصراً على مشاكسة الأستاذ أو المشاغبات البريئة التي تفتعل بين الطلاب إنما هناك مشكلة تتعلق بوجود تجّار مخدرات يركزّون نشاطهم على المدارس، وهذا خطر نواجهه نحن بإمكانات ضعيفة». وتخبر إيليان عن عدد من الطلاب كانت لها جلسات معهم بعدما لاحظت تغيّراً سلوكيّاً لديهم، فتبيّن أنّهم يحصلون على حبوب «اكستسي» من داخل المدرسة وخارجها ما أدّى إلى تراجع علاماتهم بشكل كبير كما صاروا أكثر انفعالاً في الصفّ وفي الملعب. والفكرة السائدة حول «الاكستسي» أنّها حبوب تساعد في تعزيز النشاط لدى الأشخاص، إلا أنّ إيليان تؤكد بحسب تعاملها مع الطلاب الذين جرّبوا هذا النوع من الحبوب المخدّرة أنّ هناك حالتين متناقضتين يعيشها الطالب: يمرّ أولاً بنشوة مطلقة ويشعر أنّ لديه طاقة كبيرة يريد التعبير عنها، وبعد فترة قصيرة يُصاب بالإحباط والتعب بسبب النشاط الزائد فيسعى للحصول على مزيد من الحبوب. أمّا المُرشدة الإجتماعية ليلى ن. فتفصح عن تجربة خاصة مع أحد طلابها وقد زارها بعد فترة من التدهور الصحيّ والفكريّ فأصرّت بشدة على أهله ليخضع للعلاج. وبعد جلسات عدّة، أفصح الطالب عمّا أصابه فعلياً وقال إنه في فترة الامتحانات نصف السنوية كان يشعر بتعبٍ كبير جراء الدرس المتواصل، وخلال وجوده في الملعب في أحد الأيام التي تسبق الامتحان عرض عليه زميل له حبوباً «منشطّة للذاكرة» مقابل مبلغ زهيد. جربها الطالب وأعجب بالنشاط الذي شعر به، فصار يطلب المزيد يوماً بعد يوم مختبراً نشوة لم يختبرها في عمره. لكن مع الوقت بدأ التعب يهزّ جسده وتدهورت صحّته بشكل كبير. رئيس جمعية «جاد» لمكافحة المخدرات وممثل لبنان في الاتحاد العربي للجمعيات غير الحكومية لمكافحة الإدمان جوزيف حوّاط أكدّ ل «الحياة» أنّ هناك مشكلة كبرى لناحية انتشار المخدرات في الجامعات، أمّا في المدارس فهناك بداية مشكلة. ولا يؤيد حوّاط الدعاية التي تحيط بالمدارس اللبنانية من أنّها مرتع لانتشار المخدرات، لكنّه في الوقت نفسه يؤكد انّ المشكلة تبدأ من خارج المدرسة ويحملها الطلاب الى داخل الحرم المدرسيّ. ويشدّد حوّاط على دور المرشدين الاجتماعيين الذين يجب ألا يركزّوا فقط على الأقساط وكيف يؤمنها الأهل إنما يجب التنبه الى مشكلة انتشار الحبوب المخدّرة وملاحظة سلوكات الطلاب ومراقبتها. ويلفت رئيس جمعية «جاد» الى تركيز كبار تجّار المخدّرات على المدارس حيث يسعون الى بناء شبكات يترأسها طلاب من اجل السيطرة على افراد هذه الفئة العمرية الصغيرة الذين إذا أدمنوا المخدّر سيمتدّ معهم الى مراحل مقبلة. ويشير حوّاط اخيراً الى اجتماع سيُعقد الشهر المقبل مع قضاة لبنانيين لمناقشة وضع قوانين خاصة بالأحداث كي توضع ضوابط لسلوك هذه الفئة العمرية ما يمكن أن يساهم في الحدّ من ظاهرة تجارة المخدرات بين الأولاد.