يبدو أن منافع الحج لم تعد قسراً على المطوفين والزمازمة والأدلاء، ولا حتى القائمين على نقل وخدمة حجاج بيت الله الحرام أو تجار المدينتين المقدستين فحسب، إذ بات من الجلي دلوف شرذمة من المزورين والمحتالين إلى قوائم المستفيدين من «كعكة الموسم». ويمكن القول إن شرذمة المزورين لعبت على أوتار الأنظمة والتعليمات الحكومية القاضية بقصر أداء فريضة العمر على سالكي السبل الرسمية من مستصدري تصاريح الحج، خصوصاً بعد أن رفع أمير منطقة مكةالمكرمة رئيس لجنة الحج المركزية الأمير خالد الفيصل شعار «لا حج بلا تصريح»، إذ وجدوا في تصاريح الحج نافذة تدرّ لهم أرباحاً موسمية من دون عناء يذكر، فعمدوا إلى استغلالها من دون أن يحبسهم رادع شرعي أو مسوغ نظامي. وفيما سيتمرمر الراغب في الدلوف إلى العاصمة المقدسة عبر أي من منافذها البرية المتعددة من طول مدة انتظاره في طوابير أكوام الحديد المتراصة كحبات عقد أمام نقاط تفتيش أمنية عدة استحدثت أخيراً، إلا أنه سيلحظ لا محالة حافلات عدة تقل حجاجاً كُثُراً أجبرت على التوقف على قارعتي الطريق السريع بعد أن اكتشف رجال الأمن أن تصاريح حج ركابها مزورة!. وفي وقت يقع فيه الحجاج غير السعوديين من المقيمين في البلاد بصورة نظامية على رأس قائمة أصحاب التصاريح المزورة، أجمع غالبية الحجاج المكتشف تزوير تصاريحهم التي من المفترض أن تخولهم لأداء فريضة الحج على جهلهم التام بتزويرها، ملقين باللائمة على عاتق حملات حجاج الداخل التي تعاقدوا معها من طريق أشخاص من بني جلدتهم تربطهم صلات تجارية ومهنية بالقائمين على الحملات. وهو ما رفضه إطلاقاً مصدر مسؤول في لجنة الحج والعمرة (فضل عدم نشر اسمه)، وقال ل«الحياة»: «يعلم المستثمرون في قطاع الحج والعمرة خطورة تزوير التصاريح على استثماراتهم، إذ ستطاولهم عقوبات عدة في حال ثبت تزويرهم، تصل إلى حد إغلاق المؤسسة وتعرض مالكها للمساءلة القانونية». ولم يخف مصدر مطلع في وزارة الحج السعودية كشف أعداد من التصاريح المزورة خلال موسم الحج الحالي والماضي، وأكد أن تنسيقاً مستمراً بين وزارته ووزارة الداخلية كفيل بكشف التصاريح المزورة، وتعرض المسؤولين عن تزويرها للمساءلة القانونية، وتطبيق الأنظمة والتشريعات الحكومية كافة بحقهم. في المقابل، شدد الناطق باسم وزارة الداخلية السعودية اللواء منصور التركي على أن هناك تفتيشاً مستمراً في منافذ مكةالمكرمة كافة، من قبل عناصر المديرية العامة للجوازات، بغية التأكد من التصاريح التي تحملها قوافل الحجيج المقبلة إلى العاصمة المقدسة. وقال: «تشتمل مهمات عملهم على كشف تصاريح الحج المزورة، والتي ما إن تكتشف حتى تتخذ حزمة من الإجراءات اللازمة للحد من هذه الظاهرة. وهناك خطط عدة أعدت بهدف إحكام السيطرة الأمنية على المنافذ المؤدية إلى مكة أو المشاعر المقدسة، وتمنع ممارسات المتسللين ومهربي الحجاج، إذ تحول دون إتمام عمليات التسرب عبر المنافذ. وسبق أن تمت إعادة أعداد كبيرة من الحجاج الخارجين عن الأنظمة والتشريعات إما عبر استعانتهم بتصاريح مزورة أو أنهم لا يملكون التصاريح إطلاقاً». ولفت إلى احتجاز بعض من ثبت عدم تقيدهم بالقوانين المشرعة من مجلس الوزراء، وطبقت بحقهم اللوائح والأنظمة. إلى ذلك، لم يستبعد مصدر أمني (فضل عدم نشر اسمه) نشوء سوق سوداء لإصدار وبيع تصاريح الحج المزورة، وقال ل«الحياة»: «تؤكد لغة العقل والمنطق أن تصاريح الحج المزورة تم تزويرها داخل البلاد، إذ إن غالبية التصاريح المزورة تم ضبطها بحوزة حملات حجاج الداخل، وليس من البديهي أن تزور في الخارج ثم تستورد إلينا مع إطلالة موسم الحج». وكشف توصل الجهات المعنية بمكافحة التزوير إلى معلومات عدة مكنتها من إلقاء القبض على عدد من المزورين في مدن سعودية مختلفة «غالبيتهم وافدون».