بروكسيل - أ ف ب - انطلق مهرجان «موسم» الثقافي في بلجيكا أول من أمس، محتفلاً بمرور عشر سنوات واظب خلالها على تقديم الثقافة العربية، عبر مختلف النشاطات الفنية والادبية. لكن مسؤوليه يؤكدون وجود «صعوبات فعلية» تواجه التعريف بالثقافة العربية، ولا تواجهها ثقافات اجنبية أخرى، إضافة الى «دور سلبي» تلعبه الحكومات العربية. ويحمل مهرجان موسم السنوي هذا العام باقة جديدة من الفعاليات المتنوعة، بين المسرح والادب والموسيقى والرقص، ستقدم في مدن بلجيكية عدّة، اضافة الى مدينة انفير التي شهدت افتتاحه والعاصمة بروكسل. ويقول محمد اقوبعا، مدير مؤسسة «موسم» البلجيكية للتبادل الثقافي التي تقيم المهرجان، انهم استطاعوا خلال عشر سنوات «اعطاء حضور مهم ومستحق للفنان والثقافة العربيين» في بلجيكا. ويوضح اقوبعا، البلجيكي من اصول مغربية، ان المهرجان الذي يديره «نقل الثقافة العربية من القاعات الصغيرة لتكون حاضرة في أبرز المؤسسات الثقافية البلجيكية»، وذلك عبر نشاطات «تعرّف بعالم عربي معاصر وتتجاوز صورة الاثارة التي كان يقدم عبرها» على حد تعبيره. ويلفت الشاعر المغربي طه عدنان، المقيم في بلجيكا، وهو من مبرمجي فعاليات المهرجان ومواكب له، الى ان المهرجان استطاع ان «يحقق حضوراً في مؤسسات ثقافية مرموقة ويخرج بالثقافة العربية لتظهر كواحدة من مكونات المشهد الثقافي» في بلجيكا، بعدما بدأ مهرجاناً صغيراً في احدى ضواحي مدينة انفير. اللافت في فعاليات المهرجان حضور التجارب الفنية الاشكالية والتي أثارت جدلا. ويحضر عرض الراقصة المغربية لطيفة أحرار «كفرناعوم - اوتوصراط»، الذي لاقى انتقادات لدى عرضه في المغرب، ركزت على جرأة الراقصة في إظهار جسدها، وأيضا هناك العرض الجديد «الحارستان» للراقصتين الفرنسيتين من اصول جزائرية نصيرة ودليلة بلعزة، اللتين تقدمان تجربتهما على انها «تتصالح» مع دينهما الاسلامي. ويحمل المهرجان الثقافي للجمهور تجارب لا تخلو من فرادة. المخرج المغربي البلجيكي رحيم العسري مولع بنصوص الروائي اللبناني رشيد الضعيف، وقدم سابقاً مسرحيات مستوحاة منها، لكن اللافت في عرضه الجديد «الخامسة/ السابعة مساء: ساعات لقاء»، ان العسري استطاع دفع الروائي كي يكتب مباشرة نصاً مسرحياً للمرة الاولى في مسيرته الادبية، وهذا النص شارك ايضاً الممثلون في انجاز كتابته الدرامية. المهرجان يستمر حتى الرابع من كانون الأول (ديسمبر) وجاء افتتاحه مساء الجمعة في انفير عبر فيلم وثائقي بعنوان «الفن يلون»، وهو عبارة عن بورتريهات لمجموعة فنانين وكتاب بلجيكيين من اصول عربية وغير اوروبية اخرى. كذلك قدم في الافتتاح الموسيقي المغربي عابد بحري، مع مجموعة عازفين بلجيكيين، العرض الموسيقي «رحلة»، الذي يستلهم اسفار الرحالة العربي ابن بطوطة ليقدّم مزيجاً من موسيقى افريقية وآسيوية واوروبية. وتبرز من الفعاليات الموسيقية تجربة مجموعة «الغوستو» الموسيقية الجزائرية، وهي عبارة عن موسيقيين يهود ومسلمين كانوا يتشاركون السكن في حي القصبة قبل أن تفرقهم الهجرة القسرية، ويقرروا تحدي الشتات في اوروبا بالعودة للاجتماع مجدداً في فرقة واحدة. وفيما يخص النشاطات الادبية، يعول المنظمون على ملتقى يستضيف خمسة كتاب ممن فازوا في مسابقة بيروت 39، والتي تم تنظيمها في اطار احتفالية بيروت عاصمة عالمية للكتابة العام الفائت، والكتاب الذين سيقرأون من نصوصهم ويناقشون الجمهور البلجيكي هم الفلسطيني علاء حليحل، اللبنانية هيام يارد، المصرية هيام علي، والهولندي المغربي عبد القادر بن علي والمغربي ياسين عدنان. والى جانب فعاليات أخرى عديدة، يحضر في برنامج المهرجان عرض المؤلف والمخرج المصري احمد العطار «عن اهمية ان تكون عربياً»، وايضا مسرحية «خوف» للمسرحي البلجيكي يوهان بوتي، وفيه يبحث في اشكالية الخوف من الآخر، ويرصد تحديداً خوف السكان الاصليين لأحد أحياء انفير من الحضور المتزايد لذوي الاصول المغاربية فيها. والى جانب الحديث عن الانفتاح والتقارب بين الثقافات، هناك لهجة أخرى تعلو هذا العام في حديث مسؤولي المهرجان، فمديره يلفت إلى انهم لا يزالون يواجهون «صعوبة فعلية» في سعيهم للتعريف بالثقافة العربية. ويقول اقوبعا ان هذه الصعوبة تتمثل في «خوف وأحكام مسبقة، وحتى اشمئزاز من الوجود العربي في اوروبا، وكل ذلك يقف في طريقنا»، مؤكدا أن التعريف بثقافات أخرى، كالافريقية والاميركية اللاتينية، لا يواجه «على الاطلاق» مثل هذه الصعوبة. لهجة «الاحتجاج» هذه ترد ايضاً على لسان الشاعر طه عدانان، فهو يتساءل «الى أي حد اختلافنا (كثقافة عربية) مقبول في بلجيكا؟ والى أي حد يمكن لفعلنا واثرنا الثقافي أن يتم احتضانه هنا؟»، قبل ان يعبر عن خيبة امله وهو يعقِّب على تساؤلاته بالقول: «معطيات السياسة، وتزايُد حضور اليمين المتطرف في اوروبا، تكذِّب آمالنا». مدير مهرجان «موسم» يكشف انهم يفكرون الآن باقامة «شبكة أوروبية لاعطاء فرصة أكبر امام الفنانين العرب»، لافتاً ايضاً الى ان الحكومات العربية تلعب «دوراً سلبياً» امام حضور الثقافة العربية في المشهد العالمي. ويوضح ان هذه الحكومات «لا تعير أي أهمية لنشر الثقافة العربية»، على نقيض ما تفعله الحكومات الاوروبية لنشر ثقافتها، عبر مراكز مكرسة لذلك، مثل «غوته» الالماني و «ثرفانتس» الاسباني، والمراكز الثقافية الفرنسية المنتشرة في كل العالم العربي.