لقيت مواقف الأمين العام ل «حزب الله» السيد حسن نصرالله في خطابه مساء أول من أمس ردود فعل واسعة أمس من خصومه ومن حلفائه على السواء. ومع أن عدداً من خصومه وأوساط تيار «المستقبل» رأوا في حديثه عن أن المسعى السعودي – السوري المتواصل «هو جدي جداً» وانه «يعلّق آمالاً كبيرة عليه»، نقطة تلاقٍ وعنصراً إيجابياً يساعد على مساعي التهدئة في خضم التأزم السياسي الذي تعيشه البلاد بفعل الخلاف على المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، فإن العديد من هؤلاء الخصوم انتقدوا بشدة اتهامات نصرالله لحكومة الرئيس فؤاد السنيورة بأنها سعت الى تأخير وقف إطلاق النار إبان العدوان الإسرائيلي على لبنان في تموز (يوليو) عام 2006. وإذ شملت الردود على نصرالله بيانات وتصريحات للرئيس السنيورة ولوزير الإعلام طارق متري الذي كان آنذاك وزيراً للخارجية بالوكالة وفاوض على القرار 1701 في الأممالمتحدة، إضافة الى نواب من قوى 14 آذار و «المستقبل»، فإن عميد حزب الكتلة الوطنية كارلوس إده علّق على استشهاد الأمين العام ل «حزب الله» بما قال انه رسالة لوزير الخارجية الأميركية السابق هنري كيسنجر الى عميد حزب الكتلة الراحل العميد ريمون إده، للدلالة على السياسة الأميركية العدائية حيال لبنان والمنطقة، بالقول إن العميد الراحل لم يتلق رداً على رسالته لكيسنجر، وتبيّن أن هذه الرسالة هي مقال كتبه الزميل سليم نصار في مجلة «الحوادث» تخيّل فيه كاتبه رداً من كيسنجر على إده. وفي ظل استمرار السجال اللبناني بعد خطاب نصرالله علمت «الحياة» أن التواصل السعودي - السوري لصوغ مشروع مخرج للأزمة التي يتخبط بها لبنان، «قطع شوطاً مهماً وحقق تقدماً ينتظر المزيد من المشاورات للوصول الى خواتيمه بين دمشق والرياض». وأوضحت مصادر مواكبة لهذا التواصل بين قيادتي البلدين، أن رئيس الجمهورية ميشال سليمان ورئيس الحكومة سعد الحريري مطّلعان على أجوائه، وكذلك رئيس البرلمان نبيه بري ونصرالله الذي توقع ان تثمر نتائجه قريباً. وإذ تأمل الأوساط السياسية والرسمية المختلفة بأن تساهم المراهنة من فريقي الأزمة على هذا التواصل السعودي – السوري في تبريد الأجواء المتشنجة عن الخلاف على بت ملف شهود الزور في مجلس الوزراء والذي أجله الرئيس سليمان في جلسة مجلس الوزراء الأخيرة الى ما بعد الأعياد، فإن الأيام المقبلة ستشهد حركة خارجية مكثفة للحريري الذي سيغادر اليوم بيروت الى أبو ظبي في زيارة تستمر يومين، لينتقل بعدها الى موسكو في زيارة رسمية (يرافقه وفد وزاري) تستمر يومي الإثنين والثلثاء المقبلين، على أن يزور بعدها المملكة العربية السعودية خلال عطلة عيد الأضحى. ويعقب ذلك استقبال لبنان لرئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان في 25 الجاري، على أن يزور الحريري إيران بناء لدعوة رسمية في 28 و29 الجاري من أجل إجراء محادثات حول تنفيذ الاتفاقات الموقعة بين البلدين إبان زيارة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد بيروت في 13 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي. وترأس الحريري أمس اجتماعاً لكتلة «المستقبل» النيابية ونقل نواب فيها ل «الحياة» عنه ارتياحه الى نتائج جلسة مجلس الوزراء الأربعاء الماضي وتقديره لموقف الرئيس سليمان خلالها ودوره إضافة الى الدور الذي لعبه رئيس «اللقاء النيابي الديموقراطي» وليد جنبلاط في التمهيد لعقد الجلسة وإنهائها من دون التصويت أثناءها على ملف شهود الزور تفادياً لزيادة الانقسام في البلاد. وأوضح نواب في الكتلة أن جلسة مجلس الوزراء بدأت هادئة على رغم ما سبقها من تهديد، وكادت تنتهي بهدوء لولا كلام وزير الاتصالات شربل نحاس عن خضوع فريق رئيس الحكومة لضغط إسرائيل ما اضطر الأخير للرد عليه بحدة. وأشارت مصادر الكتلة الى أن الحريري عرض خلال الاجتماع نتائج زيارة رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي جون كيري بيروت حيث أكد اهتمام الإدارة الأميركية بالوضع في الشرق الأوسط واستعدادها لإطلاق مبادرة لتحريك مفاوضات السلام مجدداً، من دون أن يذكر تفاصيل حول هذه المبادرة. وكان السنيورة أصدر بياناً مطولاً رداً على اتهامات نصرالله بأن الحكومة أخرت وقف النار إبان حرب تموز فقال: «هذا كلام لا يمكن لأحد تصديقه وهو لم يكن موفقاً ولا دقيقاً. وطالما أن السيد نصرالله لديه الوثائق والمستندات الصوتية ومحاضر مجلس الوزراء فإن من الواجب عليه الافراج عن هذه الوثائق والمحاضر وإطلاع الرأي العام عليها». وعاد السنيورة بالذاكرة الى مواقفه ومواقف حكومته منذ اليوم الأول لحرب تموز مؤكداً ان الشعب اللبناني والرأي العام العربي والدولي وكل المسؤولين الذين تابعوا العدوان... يدركون في شكل لا لبس فيه ان هدف الحكومة منذ اللحظة الأولى للعدوان كان الوصول الى وقف فوري لإطلاق النار وإسرائيل والولايات المتحدة هما اللتان كانتا ترفضان الاستجابة». وأحال الوزير متري نصرالله الى محاضر مجلس الوزراء والاجتماع الدولي عن لبنان في روما وجلسات مجلس الأمن في نيويورك مؤكداً مطالبة الحكومة بوقف النار وشرح الاعتراض اللبناني على الصيغ التي قدمها الجانبان الأميركي والفرنسي لقرار مجلس الأمن (الذي صدر لاحقاً تحت الرقم 1701) لأنها لم تضمن الانسحاب الإسرائيلي الفوري ولم تشر الى قضية مزارع شبعا ورفض لبنان تشكيل قوات الأممالمتحدة تحت الفصل السابع وإصراره على صدور القرار تحت الفصل السادس. ورأى النائب أحمد فتفت الذي كان وزيراً في حكومة السنيورة أن قسماً كبيراً مما جاء في كلام نصرالله «لا يطابق الحقيقة». لكن فتفت رأى في كلام نصرالله عن القرار الاتهامي المنتظر صدوره عن المحكمة الدولية «نقطة إيجابية لأنه يتحدث عما بعد مرحلة صدور القرار». أما رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع فرأى في خطاب نصرالله «تناقضات». وسأل: «طالما ان حزب الله مطمئن وضميره مرتاح (بالنسبة الى القرار الاتهامي في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري) الى أعماله السابقة فلماذا هذا التوتر؟»، واستغرب رفض فريق المعارضة اقتراح سليمان إحالة ملف شهود الزور على لجنة تحقيق برلمانية. كما ردت باريس على قول نصرالله إن وزير خارجيتها برنار كوشنير تناول في محادثاته تعديل اتفاق الطائف فنفت ذلك. وأكد الناطق باسم الخارجية الفرنسية ان كوشنير لم يتطرق في محادثاته في بيروت الى هذه المسألة. إلا أن النائب عن «حزب الله» نواف الموسوي قال مساء أمس: «عندما ناقشنا الاقتراح الأميركي – الفرنسي لوقف الحرب كان الجواب ان الحكومة اللبنانية توافق عليه وأنه مهما طال أمد الحرب يجب إيجاد صيغة تتضمن أساس المشكلة وفي سياق حديثه معنا صرح مسؤول فرنسي بأن مبتغى السنيورة الاستفادة من العدوان الإسرائيلي لإنهاء المقاومة وأن العروض الأميركية والفرنسية والإسرائيلية كانت أكثر انخفاضاً من سقف اقتراحات السنيورة». وأوضح الموسوي ان ما أشار اليه نصرالله «غيض من فيض يستند الى وثائق ومحاضر يعرف السنيورة أنها موجودة».