مجموعة كبيرة من اللوحات التي تسجل الحياة في بلاد النوبة، بداية من المشاهد الطبيعية، إلى عادات الناس وتقاليدهم وملامح وجوههم، عرضت في قاعتي «نهضة مصر» و «إيزيس» في مركز المثّال محمود مختار الثقافي في القاهرة. والأعمال من إبداع الفنان المصري وطبيب العيون فريد فاضل المعروف بأسلوبه في تسجيل عدد من الأماكن والمحافظات المصرية وتوثيقها . و «البحث عن النوبة» (عنوان المعرض) مشروع كبير عمل عليه فاضل لسنوات باحثاً ومنقباً عن النوبة وآثارها وتاريخاً وثقافتها، وعاداتها، وتراثها الشفوي الذي تتناقله الأجيال. عاش الفنان مأساة النوبة القديمة التي غمرتها مياه بحيرة ناصر بعد بناء السد العالي وعايش لحظات الشجن والحزن والخوف من المستقبل عبر الكثير من الأشخاص الذين التقى بهم وحكوا له عن ذكرياتهم عن النوبة القديمة. ولم يكتفِ فاضل باللوحات وحدها، بل حاول الاستفادة قدر الإمكان من التاريخ الشفوي الذي جمعه عن النوبة وأهلها في كتاب كبير يحمل عرضاً لتاريخ النوبة منذ عصر ما قبل الأسرات، حتى اليوم إلى جانب نماذج من اللوحات المرسومة عن النوبة من إبداعه. وتضمن الكتاب اضافة الى لقاءات الفنان بعدد من أهالي النوبة، لقاءات أخرى جمعته بكتاب ونشطاء نوبيين يعيشون في النوبة والقاهرة والإسكندرية أمثال إدريس علي ويحيى مختار وحجاج آدول. كما تضمن الكتاب عدداً من القصائد والقصص القصيرة من تأليفه، ما أعطى أهمية للكتاب في تتبع تاريخ النوبة عبر مستويات مختلفة من التوثيق، ويتسق هذا التوثيق مع المشاهد المرسومة والتي زادت على المئتي عمل. وهذه ليست المرة الأولى التي يتناول فيها فاضل النوبة في أعماله، فقد سبق أن تناول الموضوع ذاته عام 2001، لكنه يرى أن هذه المرة تعد أكثر عمقاً وتمرساً عن سابقتها. فقد توغل أكثر في تاريخ النوبة وتراثها وعاداتها، من خلال الزيارات التى قام بها لبحيرة ناصر وما حولها، والأحاديث الكثيرة التي أجراها مع عدد من سكان النوبة الموجودين في القاهرة، والذين حدثوه عن النوبة قبل التهجير، والحكايات المصاحبة لهذا التهجير، إذ جمع فاضل العشرات من هذه الحكايات وغيرها ليجسدها لنا بعد ذلك في تلك اللوحات التى عرضها أخيراً. وكان لافتاً الحضور الكثيف للنوبيين ليلة افتتاح المعرض، وهو الأمر الذي حرص عليه الفنان بإرساله الدعوة إلى كثير من الأشخاص الذين مثلوا دور البطولة في لوحاته، ومن خلال التنسيق مع أعضاء النادي النوبي في القاهرة. يقول فاضل: «حرصت على هذا الوجود النوبي في افتتاح معرضي، فهم أبطال تلك الحكاية الطويلة التي أسردها بالرسم والتلوين والكلمة أيضاً والتي أخذتني معها إلى بحور من العشق والفن». ويضيف: «النوبة لها سحر خاص دفع الكثير من الفنانين إلى تناولها في أعمالهم، كما أن النوبيين شعب يتمتع بالكبرياء والاعتزاز بالنفس. وأعتبر هذا المعرض نوعاً من التحية والاعتراف بالجميل لهؤلاء الناس الذين ضحوا من أجلنا وخسروا الغالي والنفيس في سبيل إتمام مشروع السد العالي».