تلقت جوالات السعوديين أول من أمس (الثلثاء) «مقاطع الجنون والتهور» التي تصور سيارات يدخل بها سائقوها في مجاري السيول، متحدين تدفقها، ثم ما يلبث السيل أن يجرف السيارة بمن فيها خلال ثوانٍ، فينقلب المشهد دراماتيكياً إلى حزن وألم. ومع كل حال مطرية تتجدد تلك التصرفات، وإن سبقتها تحذيرات الجهات المختصة في كل المناطق من تقلبات الطقس ومن الاقتراب من مجاري السيول وبطون الأودية، إلا أن كثيراً من تلك التنبيهات لا تجد آذاناً صاغية. وبالأمس، عندما توقعت الهيئة العامة للأرصاد وحماية البيئة هطول الأمطار على عدد من مناطق المملكة، جددت الجهات المختصة تحذيراتها، فيما استعدت إدارات مديرية الدفاع المدني في مناطق المملكة لمواجهة السيول والأمطار المحتملة، بتنفيذ تدريبات على عمليات الإنقاذ في محافظات سعودية عدة. إلا أنه على الجانب الآخر، كان بعض الشبان «المتهورين» يترقبون وصول تلك الأمطار ليقدم على مغامرات «طائشة» في مجاري السيول، لإثبات شجاعتهم في تحدي المياه الجارفة، وتصوير الموقف وتداول التسجيل عبر مواقع التواصل الاجتماعي، إلا أن بعضهم يدفع حياته ثمناً لها! ويعج موقع «يوتيوب» بعشرات المقاطع المصورة لشبان يتسابقون بسياراتهم داخل مجاري السيول، خصوصاً عندما تشتد حدتها، متجاهلين تحذيرات «الدفاع المدني» المتكررة. وفي أحد هذه المقاطع يقتحم شاب سيلاً جارفاً بسيارته، وبمجرد دخولها مجرى السيل تنقلب فيه بعد ثوانٍ قليلة، إضافة إلى فيديو آخر يظهر أطفالاً صغاراً يسبحون في مجاري سيول في غفلة من ذويهم. وعزا متخصصون في الطب النفسي وعلم الاجتماع إقدام بعض الأفراد على عبور الأودية والسيول وتعريض أنفسهم للأذى إلى «نقص الإحساس في المسؤولية وحب المغامرة والظهور». وكشف مسؤولون في «الدفاع المدني» عن أن معظم الوفيات في مواسم السيول لم تكن نتيجة دهم المياه المنازل أو الغرق فيها، وإنما بسبب محاولات عبور الأودية والسيول بالسيارات أو السقوط في الأودية. ويبدأ موسم الأمطار في السعودية من 16 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، ويستمر لمدة 52 يوماً حتى 7 كانون الأول (ديسمبر) المقبل، بحسب توقعات مختصين في أحوال الطقس، وعلى رغم ضآلة معدلات الأمطار التي تهطل على البلاد سنوياً إلا أن طبوغرافية بعض المناطق السعودية تجعلها مهيأة لحدوث سيول جارفة. وترسل المديرية العامة للدفاع المدني رسائل تحذيرية متكررة إلى المواطنين والمقيمين، ناصحة بعدم الاقتراب من مجاري السيول والأودية ومواقع تجمع المياه التي تخلّفها الأمطار، حفاظاً على سلامتهم. وكان من ضمن التدريبات التي نفذتها فرق «الدفاع المدني» في المحافظات قيام «مدني الخبر» بالتعاون مع بلدية المحافظة بتنفيذ فرضية لمواجهة السيول والأمطار مع عدد من الجهات ذات العلاقة. فيما نفذت فرق «مدني تنومة» برنامجاً تدريبياً لانتشال جثة غريق في مياه السدود، لرفع مستوى مهارة المنقذين والتعامل مع هذه الحوادث، بينما واصلت فرق «مدني الوجه» تدريباتها على معدات الغوص وقوارب النجاة، إضافة إلى تدريبات مشابهة نفذتها فرق مدينتي جبة وبقعاء في منطقة حائل، وحفر الباطن وغيرها. وتسببت السيول التي تعرضت لها منطقة جازان في نيسان (أبريل) الماضي في وفاة خمسة أشخاص وفقدان اثنين آخرين، بينما احتجز 43 شخصاً، وأجليت 50 أسرة، بحسب ما أعلنته «مدني جازان»، فضلاً على سيول شهدتها محافظة جدة ومناطق ومحافظاتالرياض والقصيم وحائل والطائف وسكاكا وتبوك وعرعر والباحة والقويعية والخرج والأفلاج والمدينة المنورة خلال الأعوام الماضية، نتيجة السيول التي أوقعت عشرات الضحايا.