قل الحديث أو ندر عن المفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين التي بدأت برعاية أميركية ومباركة عربية ثم توقفت بعدما فشلت كل الأطراف في الضغط على إسرائيل لمنعها من استئناف عمليات الاستيطان. في هذا المكان كتبت قبل انطلاق تلك المفاوضات متسائلاً عن موعد توقفها متوقعاً فشلها. وبالأمس بدأت جولة حوار فلسطيني – فلسطيني جديدة في العاصمة السورية جمعت أقطاب حركتي «فتح» و «حماس»، هي ليست المرة الأولى والمؤكد أنها أيضاً لن تكون الأخيرة. واليوم أتساءل عن موعد جولة الحوار الجديدة وعن المكان الذي ستلتئم فيه بعدما ستفشل جولة المفاوضات الجارية! في عالم السياسة لا يوجد تفاؤل أو تشاؤم، وإنما هناك حقائق وأدلة وبراهين ومصالح وموازين للقوى، وبالنظر إلى كل هذه الأمور فإن توقع فشل الحوار الفلسطيني – الفلسطيني يعد أمراً منطقياً، إذ إن الحقائق على الأرض تشير إلى أن أقصى ما يمكن أن يحققه الحوار الفلسطيني في ظل المعطيات الحالية هو التوافق على عدم التناحر أو الاقتتال أو الصدام. أما تصور أن يؤدي حوار بين الفلسطينيين إلى العودة إلى الأوضاع التي كانت قبل سيطرة حركة «حماس» على قطاع غزة فأمر يدخل في باب الخيال غير العلمي! حقيقي أن تحالفات الأطراف الفلسطينية صارت تجعل من المصالحة الفلسطينية أمراً لا يمكن أن يحدث من دون أن يكون للأطراف الاقليمية دور فيها. وصحيح أن مواقف الأطراف الفلسطينية من العملية السلمية متناقضة ومتنافرة، وصحيح أن مصالح المواطنين الفلسطينيين البسطاء تضررت وأن متاعب الحياة بالنسبة اليهم زادت نتيجة الخلافات بين السلطة و «حماس» لكن الأوضاع على الأرض ترسخت ونشأت جماعات مصالح أصبحت المصالحة تضر بها وتؤثر فيها. يعتقد البعض أن جولات الحوار بين الفلسطينيين أصبحت نوعاً من العلاقات العامة يستنجد بها كل طرف لتحسين صورته أمام الشعب الفلسطيني وأمام العالم والقوى الإقليمية المؤثرة في القضية الفلسطينية، لكن الحوار نفسه لا يمكن أن يفضي إلى مصالحة حقيقية لأن الانقسام الجغرافي تحول إلى انقسام مصالحي. كما أن مرور الشهور رسخ أوضاعاً على أرض الواقع أصبح من الصعب الرجوع عنها أو تغييرها. ما المزايا التي قد يحصل عليها أي طرف حتى يتخلى عن سلطته التي حققها الانقسام؟ سؤال مطروح قبل كل جولة حوار لا تجيب عنه الأطراف المشاركة فيه لكننا نعرف الإجابة، فالوضع الحالي هو الأمثل بالنسبة الى السلطة و «حماس» في آن، على رغم إعلان قادة السلطة و «حماس» حرصهم على المصالحة وعلى رغم تبادل الاتهامات بين الطرفين عن سبب الانقسام وعدم التوصل إلى المصالحة. الانقسام الفلسطيني يعكس الضعف العربي وهو نتيجة له وفي الوقت نفسه يكرسه ويزيده وما لم يصلح حال العرب فإن الأمل في تحقيق مصالحة فلسطينية حقيقية سيبقى مجرد أوهام لن تعرف الطريق إلى الحقيقة، أما الحديث عن كون المصالحة ستتم وفقاً للورقة المصرية او أية ورقة أخرى فلا يشكل فارقاً كبيراً، فما أكثر الأوراق التي توافقت عليها الفصائل الفلسطينية ثم مزقتها عند أول اختبار. كل حوار سيفشل ما لم تكن هناك مصلحة حقيقية لأطرافه للوصول به إلى تحقيق المصالحة. وقد ترى كل الأطراف الفاعلة في القضية الفلسطينية أن الأوان لتحقيق مصالحة فلسطينية لأنها بالفعل تحقق مصالح كل الفلسطينيين لكن طالما أن أطراف الحوار أنفسهم لا يدركون ذلك... فلا أمل.