«حارس الأمة» قربان قولي بيردي محمدوف رئيساً مدى الحياة في تركمانستان، بأصوات نحو 98 في المئة من المواطنين. نسبة تذكّر بنتائج انتخابات الرئاسة في أكثر من بلد عربي... في عهود مضت. ويبدو أن «الرئيس المحبوب» لم يتعظ من دروس، ومع سعادته بالفوز الكبير، تباهى بنسبة إقبال خيالية على صناديق الاقتراع. فالتركمانيون الذين تمتلك بلادهم رابع أكبر احتياط من الغاز الطبيعي في العالم، اصطفوا «كلهم» أمام مراكز الاقتراع لتجديد الثقة بالرئيس، ولم يتغيّب منهم إلا 2.7 في المئة بسبب مشاغل طارئة. والمسار «الديموقراطي» للانتخابات لا يقبل التشكيك، اذ تنافس ثمانية مرشحين على المنصب مع بيردي محمدوف، وتقاسموا نسبة 2.3 في المئة الباقية من أصوات الشعب، بعدما حصد هو 97.7 في المئة، وفق بيان لجنة الانتخابات المركزية. وهنأ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بيردي محمدوف بالفوز الذي «أظهر امتنان المواطنين لخدماتكم كرئيس للبلاد». وتعد تركمانستان أحد أهم حلفاء روسيا التي تشتري الغاز الطبيعي منها بأسعار «تفضيلية»، وتعيد بيعه بالأسعار العالمية. تركمانستان، البلد الأكثر انغلاقاً وعزلة في الفضاء السوفياتي السابق، ظلت منذ «الاستقلال» في 1991 محكومة بقبضة حديد. حكمها لربع قرن الرئيس صفر مراد نيزوف الذي خلع على نفسه لقب «تركمانباشي» (أبو التركمان)، وشهدت البلاد في عهده «طفرة» في عدد القصور الفارهة والتماثيل المصنوعة من الذهب الخالص للرئيس الذي كان شاعراً وفيلسوفاً حكيماً، ألّف كتاب «روحنامة» (حكاية الروح) الذي غدا مقرراً في المناهج الرسمية للمدارس، ونُحِتت مقاطع منه في كل دائرة حكومية. عند وفاته عام 2006 وجد طبيب الأسنان الخاص بالرئيس، بيردي محمدوف، الفرصة سانحة لاحتلال مقعد الرئاسة، لكنه واجه مشكلة مع الإرث الكبير لسلفه، فأعلن «إصلاحات» هدفت تدريجاً لتقليص مكانة نيزوف في ذاكرة التركمان. فغاب كتاب «الروح» من مناهج التعليم الابتدائي وتوقّفت قناة تلفزيونية كانت تبث باستمرار مقتطفات ومواضيع منه، وأُلغِيَ العمل بتقويم خاص كان وضعه «أبو التركمان»، و «رُحِّل» التمثال الذهبي الذي صُنِعَ بطريقه تجعله يدور مع اتجاه الشمس كل يوم، إلى موقع لا يحظى بأهمية كبرى في العاصمة، وحلّ مكانه تمثال من الذهب للرئيس الجديد حاملاً بيسراه حمامة. تدرج بيردي محمدوف في إقرار تعديلات في الدستور، حتى غدا مفصَلاً على مقاسه. وتُوِّجت التعديلات في أيلول (سبتمبر) الماضي، بتمديد الولاية الرئاسية من 5 إلى 7 سنوات، مع إطلاق عدد مرات الترشُّح، وألغى قيداً يحظّر خوض السباق الرئاسي على من يتجاوز عمره 70 سنة. بهذه التعديلات ضمن بيردي محمدوف الذي يبلغ الآن 58 سنة الرئاسة مدى الحياة. ولم يفت الرئيس أن يخلع على نفسه لقباً كبيراً أسوة بسلفه، فأصبح «أركاداج» أي حارس الأمة. كما واصل نهج سلفه في بناء القصور الفارهة، وشيّد مطاراً على شكل طائر كلّف الخزينة بليوني دولار. لكنه تميّز عن نيزوف بالقرارات الحازمة، مثل حظر التدخين وبيع كل أنواع التبغ في البلاد تحت طائلة عقوبات صارمة. كما برزت مواهبه في أكثر من مجال، وفي مقابل «حكمة أبو التركمان» برز «الحارس» شاعراً ومغنياً يمسك بالغيتار خلال جولة انتخابية، ويؤدي أغنية وضع بنفسه كلماتها وألحانها. وبفضلها دخلت بلاده موسوعة «غينيس» للأرقام القياسية، عندما أدى 4166 شخصاً الأغنية التي يقول مطلعها: «إلى الأمام دائماً يا وطني تركمانستان». وقالت مندوبة مؤسسة «غينيس» سيدا سوباسي للتلفزيون: «كنت شاهدة على موجة كبيرة من الوطنية عندما كان آلاف المواطنين يؤدون معاً أغنية رئيس البلاد».