أستطيع أن أقول «وصلت لي حقوقي»، فعندما كتبت تعليقاً على نتائج الانتخابات النصفية الأميركية أشرت الى ناخبي الجمهوريين في وسط الولاياتالمتحدة الذين يسكنون trailer parks، وأنا خائف من أن أتهم بالعنصرية أو اللاسامية، إلا أنه جاء من ينتصر لي بعد ذلك من أميركيين غير متهمين ككاتب عربي. وهكذا كان وقرأت يوم السبت الماضي: رئيس بلدية نيويورك مايكل بلومبرغ قال في مقابلة مع جريدة «وول ستريت جورنال» ان بعض النواب الأميركيين الجدد لا يجيد القراءة، وأن بعض أعضاء مجلس النواب والشيوخ لا يملك جواز سفر، وهذا ما شكوت منه دائماً، فأزعم أنهم لم يروا البحر في حياتهم. وهو حذر من حرب تجارية مع الصين، وقال ان على الأميركيين ان يبدأوا النظر الى أنفسهم بدل اتهام الآخرين. نيكولاس كريستوف، وهو بين أفضل المعلقين السياسيين في أميركا قال ان عمله يجعله يزور جمهوريات موز، إلا أنه بعد ظهور نتائج الانتخابات لم يعد يحتاج الى السفر فالنتائج أظهرت ان الولاياتالمتحدة جمهورية موز أخرى. وهو قدم ارقاماً مرعبة عن توزيع الثروة في بلاده فبعد ان كان واحد في المئة من الأميركيين يملكون 9 في المئة من ثروة البلاد سنة 1976 أصبحوا يملكون 24 في المئة من الثروة الآن. وفي حين كان دخل مدير شركة كبرى 43 ضعف دخل عامل سنة 1980، أصبح دخل المدير 531 ضعف دخل العامل سنة 2001. وكانت الأرقام الأخرى في المقال كله من هذا النوع. جورج بوش ترك لباراك أوباما حروباً خاسرة وديوناً بسببها، قيل في حينه انها ثلاثة ترليونات دولار، وهناك من يرفعها الى ستة ترليونات أو أكثر الآن. وفي مقابل ذلك فالصين عندها 2.5 ترليون دولار احتياطي من العملات الأجنبية، وهي أولى الدول الدائنة للولايات المتحدة. مع ذلك فالناخبون الأميركيون، في عبقريتهم، عاقبوا ادارة أوباما على فشل ادارة بوش العسكري والاقتصادي، واستطلاعات الرأي العام للخارجين من التصويت أظهرت ان 62 في المئة قالوا ان دافعهم الوضع الاقتصادي و23 في المئة فقط قالوا انهم يؤيدون حزب الشاي. الجمهوريون يعيشون نشوة النصر فهم انتزعوا 60 مقعداً من الديموقراطيين في مجلس النواب وأصبحت لهم الغالبية فيه، وكسبوا ستة مقاعد في مجلس الشيوخ كانت للديموقراطيين ما خفض غالبية هؤلاء كثيراً فيه. وهم الآن يتحدثون عن تحدي الصين، وربما تعطيل إنجاز باراك أوباما الواضح في التعامل مع روسيا، وسيحاولون وقف معاهدة خفض الأسلحة النووية، والتعاون النووي لأغراض سلمية بين البلدين، ووقف خطوات أميركية لإزالة قيود على التجارة مع روسيا فرضت ايام الحرب الباردة لإتاحة المجال أمام انضمام روسيا الى منظمة التجارة العالمية. بل ان يمين الحزب الجمهوري، وهذا يميني أصلاً، أشار الى رغبته في الغاء قانون الضمانات الصحية الذي أقره الكونغرس، مع انني قرأت ان الإلغاء مسؤولية الولايات، كل بمفردها، ومع انه وضع لفائدة الفقراء، ومواصلة العمل بالإعفاءات الضريبية لإدارة بوش التي تنتهي بنهاية السنة مع انها، بإجماع آراء الخبراء، أفادت الأثرياء فقط. الرئيس أوباما وعد بعد ظهور نتائج الانتخابات بتصحيح المسار أو تعديله وبالتعامل مع الجمهوريين، إلا أنه أصر على المضي قدماً في الإنفاق على التعليم والبنية التحتية والطاقة النظيفة رغم الضغوط لخفض نفقات الإدارة. الجمهوريون يقدمون أرقاماً هي حتماً غير صحيحة، فهم يريدون خفض الإنفاق الحكومي من دون زيادة الضرائب، وأهم من ذلك من دون خفض النفقات العسكرية، والمعروف ان الموازنة العسكرية في حدود 700 بليون دولار، إلا انني أصر على أنها أكثر من تريليون دولار لأن نفقات عسكرية وأمنية كثيرة تدرج ضمن اعتمادات أخرى حتى لا يظهر الرقم الحقيقي لهذه النفقات. الأسبوع المقبل ستكون لدينا فرصة لرؤية هل ينجح باراك أوباما في التعامل مع الجمهوريين، أو يخوض مواجهة معهم، فالكونغرس الحالي سيعود الى الانعقاد في 15 من هذا الشهر، وهناك حوالى 20 مشروع قانون قد يحاول الديموقراطيون إقرار بعضها قبل أن يبدأ الكونغرس الجديد عمله في أول شهر من 2011، ومنها معاهدة خفض الأسلحة النووية مع روسيا، وضرائب على الواردات الأميركية، وتوسيع نفقات البطالة، وقوانين داخلية كثيرة تتناول الهجرة والبيئة وغيرهما. شخصياً أتوقع مواجهة، وأرجح أنها أفضل إذا كان لباراك أوباما أن يفوز بولاية ثانية سنة 2012. وللحديث بقية. [email protected]