إذا كان قرار الرئيس محمود عباس في الاستمرار في منصبه بعد 9 كانون الثاني (يناير) 2009، بصفته رئيساً للفلسطينيين، أثار جدلاً ولغطاً بين القانونيين والسياسيين على المستويين الفلسطيني والعربي على حد سواء، فإن قرار عباس الأخير القاضي بتكليف سلام فياض بتشكيل حكومة جديدة تحت رئاسته، قد يكون أكثر إثارةً للجدل من الناحيتين السياسية والقانونية! وبغض النظر عن الجوانب السياسية المتعلقة بهذه المسألة، فإن الطابع القانوني لتشكيل الحكومة الفلسطينية الأخيرة يبدو مريباً، ليس فقط كون هذه الحكومة جاءت مخالفة لأحكام الدستور الفلسطيني، وإنما كونها تأتي بأمر من رئيس انتهت ولايته منذ أشهر عدة! فعباس الذي بدأ ولايته في 9 كانون الثاني (يناير) 2005، أنهى فترته الرئاسية في 8 كانون الثاني (يناير) 2009، طبقاً للمادة 36 من القانون الأساسي الفلسطيني المعدل عام 2005، التي نصت على أن «مدة رئاسة السلطة الوطنية الفلسطينية هي أربع سنوات». ومعلوم أن القانون الأساسي الفلسطيني - كما هي الحال مع بقية الدساتير الديموقراطية - لم يعط الرئيس صلاحية «التمديد» لنفسه. أما ما يتذرع به أنصار عباس، من أن «التمديد» مبني على القرار الرئاسي رقم 9 لعام 2005، فإن ذلك غير مقبول من الناحية القانونية. ذلك أن القرار الآنف الذكر هو قرار رئاسي وليس مادة من مواد الدستور، أي أنه صادر من عباس نفسه. وحيث أن القرار يتعارض مع نصوص الدستور، فإنه بذلك يعتبر «قراراً باطلاً»، لأن القاعدة القانونية تنص على أنه «لا يجوز لتشريع أن يخالف تشريعاً أعلى منه». وغني عن القول إن الدستور أعلى منزلة من قرارات الرئيس، بل هو أعلى القوانين منزلة على الإطلاق، وتبعاً لذلك، فإن أي تشريع يخالف الدستور يعتبر باطلاً من الناحية القانونية الصرفة بغض النظر عن محتواه. ليس ذلك فحسب، بل إن القاعدة القانونية الأخرى تنص على أن «كل ما بني على باطل فهو باطل»، وهذا يقتضي أن أي تصرف قانوني يقوم به الرئيس المنتهية ولايته، يعد من الناحية القانونية باطلاً وكل أثر يترتب عليه هو باطل كذلك. من هذا المنطلق فإن حكومة فياض الجديدة، لا تتمتع بصفة «الشرعية الدستورية» كونها أتت بتفويض من رئيس منتهية ولايته، ولنا أن نتخيل لو أن الرئيس السابق جورج بوش أراد أن يعين وزراء جدداً اليوم كيف يكون قبولهم! من جانب آخر يبدو أن حكومة فياض الجديدة لم تُبنَ على أسس دستورية، لأنها لم تحظَ بموافقة الغالبية المطلقة في المجلس التشريعي المنتخب، كما تتطلب ذلك المواد 65 - 67 من القانون الأساسي الفلسطيني. وبغض النظر عن التعطيل الرسمي لهذه المواد الدستورية، التي قام عباس بإيقاف العمل بها من خلال قرار رئاسي لأسباب سياسية واضحة، فإن ذلك القرار الرئاسي لا يجوز له أن يخالف الدستور، وإن خالف الدستور لا يجب العمل به، بناء على القاعدة القانونية السالفة الذكر «لا يجوز لتشريع أن يخالف تشريعاً أعلى منه». إضافةً إلى ذلك، فإن المادة 79 (4) من الدستور الفلسطيني - وهي مادة لم تُعطل بعد - تنص على أنه «لا يجوز لرئيس الوزراء أو لأي من الوزراء ممارسة مهام منصبه إلا بعد الحصول على الثقة به من المجلس التشريعي». وتبعاً لذلك، فإن مباشرة السيد فياض وأعضاء حكومته لمهام أعمالهم كوزراء في الحكومة، قبل أن يحظوا بثقة المجلس التشريعي تعد مخالفة قانونية ثالثة، تؤكد على أن هذه الحكومة الجديدة لا تقوم على أسس دستورية كما يقتضي الدستور الفلسطيني. واقع الأمر إذاً، أن المسألة الدستورية المتعلقة بشرعية الحكومة الفلسطينية محسومة بوضوح! وأن الجدل القائم حالياً ليس دستورياً وإنما هو سياسي بامتياز. إذ أن المعطيات القانونية القائمة على الساحة الفلسطينية، تشير إلى أنه يوجد اليوم فراغ دستوري فلسطيني، على المستويين الرئاسي والحكومي! ولعل إحدى المفارقات العجيبة في مسألة الأزمات الدستورية التي ما زالت تعصف بالحكومة الفلسطينية منذ قرابة العامين، هي أن الأزمات الدستورية التي تشهدها الساحة الفلسطينية تفوق أي أزمات دستورية في أي دولة أخرى، على رغم أن الحكومة الفلسطينية ليست داخل «دولة» بالمعنى القانوني الحقيقي! ولكن السؤال الذي تصعب الإجابة عليه هو: هل يمكن لحكومة تقوم على أسس غير شرعية أن تؤدي اليمين للحفاظ على أداء عملها بصيغة شرعية؟! * حقوقي دولي