في التاسع من تشرين الثاني (نوفمبر) 1989 اتجه مئات الآلاف من الألمان نحو ذلك الجدار في برلين الذي كان يفصل بين شرق المدينة وغربها وأسقطوه. ومع سقوطه سقطت أحلاف وأيديولوجيات كبرى فطغت رمزية الحدث آنذاك على المشهد السياسي العالمي من موسكو إلى واشنطن. وشكلت إزالة هذا الحاجز الذي فصل طويلاً بين المعسكر الاشتراكي والمعسكر الرأسمالي، إعلاناً لنهاية الحرب الباردة التي امتدت عقوداً من الزمن ورسمت الخارطة السياسية لمعظم بلدان العالم. وبعيداً من التداعيات السياسية للحدث، كان لسقوط الجدار وما نتج عنه من وحدة بين الالمانيتين، أثر كبير في العلاقات الاجتماعية والاقتصادية بين مكونات المجتمع، وخصوصاً جيل الشباب الذي فتح عينيه على ألمانيا دولة واحدة سقوط الجدار فيها أمر عادي جداً بل هو حدث طبيعي وحتمي. وإذ يتفق معظم الشباب الألمان على جوهر الوحدة ، فإن هذا لا يخفي بعض التناقضات والرواسب المتبقية من مرحلة ما قبل سقوط الجدار. فالتقارب الذي حدث بين الألمان الشرقيين والغربيين في السنوات العشرين المنقضية لا يمكن أن يلغي بسهولة التباعد والإنقطاع التام لأربعين سنة سبقتها. وبحسب اختصاصيين في علم النفس والإجتماع، لا تعد 20 سنة من عمر الشعوب كافية لتغيير أنماط تفكيرها وطرق عيشها. ويصح القول ان أكبر التناقضات هي تلك الناتجة عن الوضع الإقتصادي للشباب الألمان الشرقيين مقارنة بنظرائهم الغربيين اذ يظهر التباين جلياً بسبب نسب البطالة المرتفعة التي تسجلها المدن الشرقية والبالغة حوالي 13 في المئة، مقارنةً بالمدن الغربية حيث تبلغ 6.9 بالمئة، ما ينعكس سلباً على أمزجة الشباب الشرقيين ويترجم عندهم شعوراً بالنقص حيال اقرانهم الغربيين لدرجة الإحساس بأنهم مواطنون درجة ثانية. وغالباً ما تستغل أحزاب اليمين المتطرف هذا الإرتفاع في حجم البطالة لتلعب على غرائز الشباب ملقية باللوم على إزدياد عدد الأجانب والمهاجرين. لذا هناك إقبال أكبر على هذه الأحزاب بين صفوف الشباب الشرقيين، ليضاف هذا التباين إلى جملة تباينات بين الشعب الألماني بشقيه في مرحلة ما بعد الوحدة. وينعكس الوضع الإقتصادي المتردي في بعض المناطق الشرقية تردياً على الوضع الأمني اذ يسجل إرتفاع ملحوظ في منسوب الجرائم وأعمال العنف والسرقة في المدن الشرقية مقارنة بالمدن الغربية. وفي المقابل تسببت التكاليف الباهظة لإعادة تأهيل وإعمار القسم الشرقي من البلاد بعد الوحدة في نشوء نوع من التذمر عند سكان المدن الغربية. لكن عموماً وعلى رغم تلك المنغصات، ترى الغالبية العظمى من الشعب الألماني أن نتائج الوحدة في مجملها إيجابية. وبحسب إستطلاعات للرأي في الشارع الألماني رأى 84 في المئة أن الوحدة جيدة وضرورية. ويشدد معظم الألمان الشرقيين على أن توجيههم إنتقادات للوضع الحالي ومحاولتهم وضع الإصبع على الجرح لا يعني بتاتاً رغبتهم في إعادة عقارب الساعة إلى الوراء والعيش في ظل دولة يحكمها حزب واحد كما كانت عليه الحال في ألمانياالشرقية. وحدهم 9 في المئة يريدون بحسب الاستطلاعات نظاماً كالذي كان قائماً قبل سقوط الجدار، أما البقية فتجني مكاسب الوحدة وأهمها الديموقراطية وحرية التعبير والعمل الحزبي والسياسي والتي لا يمكن إنكارها، ناهيك بحرية الحركة والتنقل. كل هذا يجعل من «يوم الوحدة الألمانية» في الثالث من تشرين الاول (أكتوبر) من العام 1990 اليوم الأهم في تاريخ ألمانيا الحديث، وعيداً وطنياً يحتفل به الجميع. آثار إيجابية على التعليم وانعكست آثار الوحدة أيضاً في شكل ايجابي على مجالات التعليم والبحث العلمي والتواصل مع العالم. فتبادل الطلاب بين الجامعات الشرقيةوالغربية والإستفادة من الخبرات في البحوث العلمية أديا إلى رفع المستوى العلمي في البلاد وتكامل الجهود العلمية بعد أن شهدت فترة الانقسام نزيفاً حاداً في الادمغة نحو الغرب ما أفرغ المنطقة الشرقية بالكامل من كفاءاتها. كارستن (25 عاماً) قادم من مدينة ماغدبورغ الشرقية للدراسة في مدينة كولن الغربية، يقول: «حصلت على مقعد دراسي هنا ما كنت لأحصل عليه بسهولة في ألمانياالشرقية كما قمت بزيارة جامعات عديدة في العالم، وكل هذا كان سيكون مستحيلاً لولا الوحدة». وسقوط الجدار لم يفتح الأبواب أمام الوحدة الألمانية فحسب بل مهد الطريق في ما بعد لتلاقي الاوروبيين وإقامة الإتحاد الأوروبي الذي ما كان ليولد لولا وجود ألمانيا موحدة كدولة رئيسة من الدول الست المؤسسة. ويذهب البعض إلى حد القول ان من المبكر تقييم هذه الوحدة والحكم عليها من خلال ايجابياتها وسلبياتها الحالية، فالنتائج الحقيقية لهذه الوحدة لم تظهر بعد وثمارها لم تنضج، وقد يستغرق الأمر عشرين سنة أخرى لإتضاح الصورة كاملةً.