استطاب الاتحاد العام للأدباء والكتّاب العرب، على ما بدا، «الضيافة» الليبية وما تتسم به من رخاء وارتياح، فراح أخيراً يعقد مؤتمراته تحت «مظلّة» الرئيس معمّر القذافي الذي لم يُخفِ نزعته الأدبية وقد تجلّت في القصص التي دأب على كتابتها جهاراً وليس تحت اسم مستعار، كما فعل الرئيس العراقي الراحل صدام حسين. وآخر المؤتمرات التي عقدها الاتحاد العام الذي يرأسه راهناً الكاتب المصري محمد سلماوي الأمين العام للكتّاب المصريين، كان لافتاً جداً، فهو قرر، بالتعاون مع «اتحاد كتّاب عموم أفريقيا» الذي دعاه الى المؤتمر المعقود في مدينة بنغازي (أو بني غازي كما يقول بعضهم) أن يؤسس ما سمّاه «الاتحاد العام للأدباء والكتّاب العرب والأفارقة»، على أن يتمّ إطلاق هذا الاتحاد السنة المقبلة في ليبيا أيضاً وتحت «المظلة» نفسها. هذا خبر قد يكون له وقع طيّب إذا قدّر له أن يكون حقيقياً وخلواً من أي بعد سياسيّ أو غاية غير أدبية. لكنّ البيان الذي رافق هذا الخبر والذي رفعه الاتحاد العام لا يطمئن كثيراً لا سيما أنه عبّر عن «الارتياح» لما أنجز - هذا الاتحاد - من خطوات لدعم الثقافة العربية ومؤازرة الكتّاب العرب في معركتهم ضدّ الاستبداد والتسلّط، وترسيخ «حال الحريات» في العالم - لم يقل الوطن - العربي. لكنّ البيان بدا على قدْرٍ من الذكاء، فهو سرعان ما عاد الى «التشاؤم» في شأن هذه «الحريات» بعد أن تفاءل في مطلع البيان. وكان طبيعياً أن يغدو البيان في حال من التأرجح بين منزلتين أو مقامين، مقام التفاؤل الصريح ومقام التشاؤم العابر. وقارئ البيان لا بدّ له أن يقع في حيرة شديدة إزاء هذا التأرجح المقصود، فلا يعلم إن كان الاتحاد ينصر الحريات أم يغضّ عنها أو يستهجنها. وما يجب عدم نسيانه أن البيان كتب في بنغازي وفي حال من «الارتياح» كما أشار البيان نفسه. وما أدراك أيها القارئ، ما يعني حال هذا الارتياح في جماهيرية لم تبخل يوماً على أدبائها المحظيين... قد يكون تأسيس اتحاد يجمع الأدباء العرب والأفارقة، فكرة جليلة وخطوة لافتة لا سيما في زمن «العولمة» الذي تسيطر فيه ثقافة المركز الغربي على ثقافات الشعوب الفقيرة والمهمّشة. والعرب ليسوا بغرباء أصلاً عن أفريقيا التي ينتمي الكثير منهم إليها، ثقافياً وجغرافياً وإثنياً... لكنّ ما يدعو الى الحيرة هو غموض الاسم والدلالة اللذين يحملهما الاتحاد الأفريقي. فما المقصود بمقولة «اتحاد كتّاب عموم أفريقيا» وتحديداً كلمة «عموم»؟ هذه كلمة تكاد تكون مبهمة وملغزة ومطلقة... ما هي هذه «العموم» بل مَن هم هؤلاء «العموم»؟ مَن أطلق هذه الصفة على هذا الاتحاد الأفريقي؟ وكيف أُطلقت هذه الصفة عليه ووفق أي معايير أو مقاييس؟ لا أدري إن كان الاتحاد الأفريقي يملك أجوبة شافيةً عن هذه الأسئلة وكذلك محمد سلماوي الأمين العام لاتحاد الأدباء والكتاب العرب. ربّما لم يسع الاتحادان اللذان اتفقا على تأسيس الاتحاد الجديد، العربي - الأفريقي الى بلورة مفهوم هذه الصفة أو التسمية أولاً، ثم إلى بلورة هذه الصيغة التي تجمع بين العرب وأفريقيا. ولئن كان الكتّاب والأدباء العرب معروفين «أصلاً وفصلاً» كما يقال، فالأدباء الأفارقة مجهولون أو شبه مجهولين. فمن هم هؤلاء الكتاب الأفارقة الذين لم يحدد الاتحاد (ولا البيان) هوياتهم، وكأن الصفة الأفريقية تكفي وحدها، وهي حتماً لا تخلو من الاستهانة. هل هم أفارقة عرب؟هل يكتبون بلغتهم الأم أم بالانكليزية أم بالفرنسية؟ هل ينتمون الى «الزنوجة» في المفهوم الوجودي الذي أطلقه الشاعر السنغالي ليوبولد سيدار سنغور أم الى الهامش الذي يحيونه في الغرب؟ ثم ماذا عن الأفارقة البيض في «جنوب أفريقيا» ومنهم كتّاب كبار مثل نادين غورديمير وكوتزي الفائز بجائزة نوبل؟ إنهم «العموم»، يقول اسم الاتحاد وكذلك البيان. أو لعلها «عموم» أفريقيا... قد يكون تأسيس هذا الاتحاد الجديد - بل يجب أن يكون - فرصة ملائمة للنظر في مفهوم الأدب الأفريقي، المتنوع والمتعدد، هذا الأدب الذي يعاني حالاً من الاغتراب والاستلاب والذي يكابد مرض الانفصام، في الهوية والانتماء، الانفصام الذي جعل الأدب الأفريقي موزعاً على خريطة «الغيتوات»: «غيتو» الفرنكوفونية و «غيتو» الانغلوفونية وسواهما، كما عبّر مرّة سلمان رشدي في كلامه على الأدب الأفريقي. لكنّ السؤال: هل يعمل «الاتحاد العام للكتّاب العرب والأفارقة» المزمع انطلاقه بعد أشهر في ليبيا على إيضاح مفهوم الأدب الأفريقي وعلى رسم خريطة بيّنة له؟ الجوّ لا يوحي بمثل هذه البادرة التي لا يمكن أن ينهض اتحاد حقيقي، عربي - أفريقي من دون القيام بها وإنجازها. فالاتحاد العام للكتاب العرب ليس من عادته أن يمنح مثل هذه القضايا اهتماماً ولا أن يبحث عن أجوبة للأسئلة الصعبة التي تواجهه. والآن يعيش هذا الاتحاد حالاً من الرخاء تحت مظلة الرئيس والكاتب الليبي معمر القذافي. وهل أجمل من هذا الرخاء الذي ينعم به القائمون على الاتحاد؟