يعكف جيولوجيون سعوديون وأجانب على كشف أسرار بقايا فيل منقرض عُثر عليها قبل أسبوعين، في صحراء النفود الكبرى (وسط السعودية)، ويتوقع أن تفضي بحوثهم إلى رسم خريطة واضحة لهجرة الفيلة والقردة وحيوانات أخرى بين أفريقيا والجزيرة العربية قبل تشكل البحر الأحمر، أي قبل 30 مليون عام. وتفيد أحافير الحيوانات في منطقة النفود بالتاريخ الجيولوجي لمنطقة شبه الجزيرة العربية، التي عاشت فيها أنواع كثيرة من الثدييات، وخصوصاً الفيلة العملاقة التي يقال إنها كانت تتنقل بين أفريقيا وآسيا، ويعمل فريق تابع لهيئة المساحة الجيولوجية على تنقيب الأرض وتوثيق هذه الحقائق. وقال رئيس وحدة الأحافير في الهيئة يحيى آل مفرح: «اكتشف فريق العمل عام 2015 أحافير في الجزء الجنوبي والغربي من صحراء النفود الكبير، وهي عبارة عن أجزاء لغزلان وضباع وغيرها من الثدييات في رواسب البحيرات القديمة التي يقدر عمرها بحوالى مليون عام، عاشت في الفترات السابقة وتأثرت بكميات كبيرة من الأمطار الموسمية أو شبه موسمية، على غرار نظام السافانا البيئي في قارة أفريقيا، ثم تلتها فترة جفاف أدت إلى انقراض هذه الحيوانات». واستخرجت وحدة الأحافير بقايا ثدييات كبيرة منقرضة في المنطقة نفسها، تعود إلى خيول، وثيران، وغزلان، ومها، وضباع، وكلاب برية، وطيور جارحة، وبقايا من «فيلة عملاقة» فاق عدد عيناتها المكتشفة ال150 عينة، تمثلت بأجزاء كاملة من الأطراف الأمامية والخليفة والأضلاع والفقرات والفكوك السفلى وأنياب صغيرة وكبيرة، مثل «فيل تيماء». وتعد هذه الأحافير نقطة تحول في مستقبل الاكتشافات في المنطقة، «على رغم أن ما تم التنقيب فيه لا يتجاوز 40 في المئة من الطبقة» بحسب آل مفرح. واكتشفت الوحدة أيضاً ناباً لنوع منقرض من الفيلة في النفود، يبلغ طوله 225 سنتيمتراً، في ال17 من كانون الثاني (يناير) الماضي. واكتشفت الوحدة، خلال استكمالها العمل الميداني المشترك مع الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني، وجامعة «إكسفورد» البريطانية، ومعهد «ماكس بلانك» الألماني، وباحثين من أستراليا وإسبانيا، الناب الذي يُعد من العينات النادرة ذات الحفظ الممتاز في رسوبيات البحيرات القديمة في النفود، ويحوي معلومات جيولوجية تاريخية تعود إلى بيئات المناخ القديم في شبه الجزيرة العربية. ووصل مجموع ما تم جمعه من بقايا الفيل 80 في المئة، وتعرض حالياً في متحف وحدة الأحافير في الهيئة. وعثرت «المساحة الجيولوجية» أيضاً عام 2010 على بقايا جمجمة تحتفظ بعظام الوجه والأنف والفك العلوي وأجزاء من منطقة الأذن، تعود إلى «أشباه سعادين بدائية» في محافظة الجموم بمنطقة مكةالمكرمة، وهي كاملة وواضحة المعالم من حيث الصفات التشريحية، ويعود تاريخ انقراض حيوان الأحفورة المكتشفة إلى نحو 29 مليون سنة، بحسب فريق الخبراء والمختصين من جامعة «ميتشيغن» الأميركية، الذين شاركوا في التنقيب. ونشرت المجلة العالمية «نيتشر» نتائج الاكتشاف مؤكدة أهميته، لأنه «فريد من نوعه» ويمكن أن يسهم في زيادة الفهم العام للامتداد الجيولوجي والتاريخي للسجل الأحفوري، لأنه يعود إلى فترة زمنية تمتد من 23 إلى 30 مليون سنة تقريباً. وأطّلق على الاكتشاف الجديد اسم «سعدان الحجاز» نسبة إلى إقليم الحجاز غرب السعودية، وينتمي السعدان المنقرض إلى الثدييات المتفرعة منها رتبة الرئيسات التي تضم الأنواع الحالية والمنقرضة من القردة والسعادين، وتندرج تحت مستوى تصنيفي أكثر تشعباً يعرف ب«الكاترينيات» أو ذوات الأنف المستقيم (المفتوحة للأسفل)، التي تضم القردة المنقرضة من أفريقيا وأوراسيا. ويعتبر اكتشاف هذه الأحفورة جزءاً من برنامج «الاستكشاف»، الذي بدأ أعماله منذ حوالى 10 سنوات، ويعمل عليه تسعة أفراد من وحدة الأحافير التابعة لهيئة المساحة الجيولوجية في عدد من المناطق، وما يزال البحث جارياً في مناطق أخرى للتنقيب عن أحافير جديدة. وتعرض «المساحة الجيولوجية» بعض الأحافير المكتشفة، بعضها في متحف وحدة الأحافير، أو في المعارض الجيولوجية التي تقام في السعودية، مثل «عالم الجيولوجيا وكنوزها» المقام حالياً في مدينة الخبر، وعرضت خلاله أهم الاكتشافات في منطقة النفود الكبرى، والتي تراوح أعمارها بين 600 ألف ومليون عام. يُذكر أن هيئة المساحة الجيولوجية أنشئت من أجل تزويد المجتمع بالمعرفة والمعلومات في جميع مجالات علوم الأرض (الجيولوجيا)، وهي من أهم الجهات الرسمية التي تدرس الأحافير والتاريخ الجيولوجي للمملكة.