أنجب سلمان رشدي ابنين من أربع زيجات وأهدى كلاً منهما كتاباً. اختبأ بعد صدور فتوى آية الله الخميني بقتله في 1989 فطلب ظفار منه تأليف كتاب ممتع للأطفال. صدر «هارون وبحر القصص» بفعل أزمة نفسية وسياسية، وتوهجت فيه الحرية الثمينة التي عرف الكاتب قيمتها عندما حرم إياها. «لوكا ونار الحياة» الصادرة عن دار جوناثان كيب، بريطانيا، تتمة أدبية وأبوية، كتبها رشدي لطفله ميلان، ابن الثالثة عشرة المولع بألعاب الفيديو، وعاد فيه الى مدينة كاهاني في أرض الألفباء. يمتهن رشيد خليفة المعروف ب «شاه الثرثرة» و «محيط الأفكار» رواية القصص إلى أن يتعب جسداً وخيالاً. بدت قصصه كأنها تتحرك ببطء، وأضر ذلك بعمله. ذات ليلة نقشتها النجوم يقع الحكواتي ويدخل نوماً عميقاً يعجز الجميع عن إيقاظه منه. على ابنه لوكا أن يعبر العالم السحري ويقهر عقباته لكي يبلغ نار الحياة ويسرقها وينقذ والده بها. «دورك الآن في المغامرة» يقول هارون الذي سبق أن خاض رحلته الصعبة وتخرّج بطلاً. يواجه آلهة من حضارات مختفية وشخصيات مجازية، ويخضع في الوقت نفسه لقوانين ألعاب الفيديو التي تمنحه عدداً من الحيوات كلما انتصر في معركة، وتنقله الى مستوى أكثر صعوبة وتقدماً. نقرأ عن سوبر ماريو وأنجلينا جولي وال «الهاي ديفينيشن» الذي يهدّد السحر بالزوال، ويثير شجن ممارسيه من عالم خال حتى من فكرته. يعبر لوكا أرض الجرذان العملاقة الحساسة، ويفكر مسبقاً بكل كلمة وحركة تحسباً لجرح مشاعرها. يقول حارس الحدود: «قولك إنك تشعر بالمهانة إهانة مميتة لي. وإذا أهنت جرذاً في شكل مميت تهين الجرذان كلهم إهانة بالغة. والإهانة البالغة للجرذان كلهم جريمة جنائزية». في «لوكا ونار الحياة» مرح ولعب على الكلمات ومساهمة واضحة من الابن الذي ظهر مع والده في بعض المقابلات للترويج للكتاب. لوكا هو الاسم الوسط لميلان الذي تستهل شخصيته الرحلة وتنهيها واثقة من عجزها عن تدبر أمرها من دون أب، على رغم اكتسابها نضجاً وقوة بعد نجاح مسعاها. «كأن شيئاً أقوى من طبيعته تمكن منه، إرادة أقوى من إرادته رفضت القبول بالأسوأ». كما في «هارون وبحر القصص» التي احتاج فيها الكاتب الى نهاية سعيدة، يعود الفتى الى الأسرة سعيداً باسترجاعه الطفولة وإن تبادل الدور مع الأب مكرهاً. جحيم آخر حين صدرت «نهاية الأسبوع» في ألمانيا منذ عامين سخر النقاد. نصفها أغاثا كريستي ونصفها دروس في التربية المدنية. ترجمت رواية برنارد شلينك الى الإنكليزية عن دار وايدنفلد البريطانية، وهجست بالذنب الجمعي ومسؤولية الفرد عن عنف الآخرين. يخرج يورغ من السجن بعد أربع وعشرين سنة وسط استنكار واسع، فتصحبه شقيقته كريستيان الى بيتها الريفي القديم في براندبورغ وتدعو أصدقاءه. كان عضواً في جماعة بادر ماينهوف اليسارية التي هاجمت المؤسسات العسكرية في السبعينات، واغتالت رجال شرطة وأعمال وسياسيين كان نصيب يورغ منهم أربعة. تؤمن كريستيان بأنه دفع الثمن وله الحق في العودة الى المجتمع، لكن أصدقاءه يحاكمونه ويرفضون تعلله بالنضال دافعاً لما ارتكبه. وقف الراديكاليون السابقون على الحدود بين القول والفعل، ولم يحملوا السلاح. وجد كل منهم دوره، وأحياناً ثروته، ورأوا في أمثاله تهديداً لإنجازهم. وسط الأكل والشرب والسمر اللطيف ظاهراً، يجتمع أولريك الثري الذي يملك سلسلة مختبرات لطب الأسنان، كارين الأسقف، إيلسا المعلمة والكاتبة الناشئة، هينير الصحافي الشهير ومارغريت، صديقة كريستيان الجديدة المتعاطفة التي تأتي بالخلاص. أول ما يفعله أولريك بعد ملء كأسه سؤال يورغ عن جريمته الأولى. فرديناند يرغب بمصالحة «الأب القاتل» لكنه يصعق بافتقاره الى الندم ويشبّهه بالنازيين. يقارن يورغ هجماته على الدولة الرأسمالية بمقاومة النازية، ويرى أن أجيال ما بعد الحرب، خلافاً لجيل الأهل، ناضلت وتخلّصت من لعنة فشله. تغوي دورل، ابنة أولريك المراهقة، يورغ ابنهارا بصورة المناضل الرومنطيقية، لكنه يخذلها فتثور. قضى السجن على رغبته وبكى حين عيّرته الفتاة: «ضعيف. النضال جنس. ألم يكن هذا شعارك؟». ماركو، محامي يورغ الثوري، يخالف ابنه الرأي ويريده أن يتابع كفاحه بالتحالف مع القاعدة. تلومه مارغريت لأنه لا يمكن أحداً التوقع من يورغ ما طلبه من نفسه شاباً. قد لا نحقّق أحلامنا لكن ذلك لا يعني أن حياتنا هباء، وربما تحوّل البعض إرهابيين لأنهم اكتشفوا فجأة أن واقعهم لا يتصالح مع أحلامهم. تذكر إيلسا أنها شارفت على إنجاز كبير ولم تبلغه. هل يعني ذلك أنها لم تحقق شيئاً؟ انتحر زوجها لكنها اعتقدت أنه زوّر موته لينضم إلى الإرهابيين، ومضت في طريقها. لا تصدّق وجود إرهابي متقاعد نادم، والشخص غير التائب يثير اهتمامها أكثر من معرفة رأيها بدوافعه الحقيقية. يعلّم برنارد شلينك (66 عاماً) الحقوق في جامعة همبولت، وكتب روايات بوليسية قبل أن يشتهر مع «القارئ» التي ترجمت الى أربعين لغة. حكت علاقة مراهق بجابية في ترام تتحول حارسة معسكر في العهد النازي، وتمنع معتقلات يهوديات من الخروج من كنيسة تحترق. شارك في أيلول (سبتمبر) الماضي في مهرجان وودستوك الأدبي الذي تنظمه صحيفة «ذي إندبندنت» البريطانية، وتحدث عن شعور الألمان بالذنب إزاء جرائم النازيين. خطرت له فكرة النظر في الذنب الجمعي من أبحاث الجماعات القبلية. إذا ارتكب عضو في القبيلة جرماً تختار طرده أو التضامن معه، فتتأزم في الحال الأخيرة قيمها الأخلاقية وتشعر ب «الذنب الثاني». قال إنه أعجب خلال دراسته بمعلّم الإنكليزية الذي جعله يحب اللغة، واكتشف لاحقاً أنه ساهم بحماسة في مؤسسات الرايخ الثالث. كان أستاذاً رائعاً وفي الوقت نفسه ارتكب شراً، ولا يستطيع شلينك تقويمه إلا بهذه الطريقة. طلابه يهتمون بالماضي لكنهم لا يشعرون بالذنب والمسؤولية، ويحرّرون ألمانيا بالتالي من إرث النازية الثقيل المخزي. من الشارع الى هارفرد تقف ليز موري على المنبر بعد الدالاي لاما وتوني بلير وميخائيل غورباتشوف وتقول: «كنت يوماً واحدة من شريدي الشوارع الذين تهربون منهم». روت قصتها في «كسر الليل: مذكرات الغفران والبقاء ورحلتي من التشرّد الى هارفرد» الذي دخل لائحة «نيويورك تايمز» للأفضل مبيعاً، وأدخل وجهها الباسم إلى قلوب الأميركيين المولعين بالقصص المبكية السعيدة. ولدت في أول الثمانينات في محلة البرونكس الفقيرة لأبوين هيبيين انتقل إدمانهما من الرقص في الديسكو إلى المخدرات. كانا ذكيين محبين لكن إدمانهما جلب الفقر والعجز عن الاهتمام بها وبشقيقتها. سرقت والدتها المال الذي أهدتها إياه العائلة في أعياد ميلادها، وباعت التلفزيون وديك الحبش لتشتري الكوكايين. نهرت ليز في المدرسة لرائحتها البغيضة والقمل في شعرها فتركتها بعد عذاب طال. جاعت وشقيقتها وأكلت مكعبات الثلج ومعجون الأسنان، وسرقت الطعام والكتب ودرست في مدخل بيت صديقة. كانت في الخامسة عشرة عندما أخبرتهما الأم أنها مصابة بالأيدز. بعد وفاتها وعجز الأب عن تسديد الإيجار طردوا من الشقة وخرجت ليز لتعيش في الشارع. نامت على مقاعد الحدائق العامة وفي محطات القطار، ورأت نفسها ضحية وهامشية. لكنها أدركت فجأة أنها تبنّت شعار والدتها التي أصرّت على القول إنها ستصلح حياتها يوماً ما. فكّرت أن الأم رحلت من دون أن تحقق وعدها لنفسها، وكرهت احتمال تكرار الفشل معها. في السابعة عشرة تابعت دروساً مسائية وأقسمت على الحصول على أعلى العلامات. أنهت كل سنة دراسية فاتتها في فصل واحد، ولاحظ مدرّس نكدها فاهتم بتحصيلها. كانت من عشرة طلاب متفوقين اصطحبهم الى جامعة هارفرد. لفتتها الهندسة الجميلة، وفكرت أن لا شيء يمنعها من الدراسة فيها. عندما علمت أن صحيفة «نيويورك تايمز» تقدّم منحاً دخلت المبنى وخرجت بإحداها. تخرّجت ليز موري العام الماضي وستحقق الثروة بفضل مذكراتها. كان والدها شجعها على المطالعة وسرق الكتب لها. توفي بالإيدز في 2006 وغاب عن حفل التخرج. لكن ليز تمضي في طريقها ببسمتها الواسعة، وتقصد المدارس لتروي قصتها للمراهقين. قاومت إغراء المخدرات ولم تستخدم أهوال طفولتها ذريعة للشكوى والضياع. الخيار نفسه بأيديهم.