حرم العرض المشفّر المشاهد العربي من متابعة عدد من الأعمال الدرامية السورية المميزة. فبعد عرض مسلسلات مثل «الحصرم الشامي» بأجزائه الثلاثة و «أولاد القيمرية» بجزأيه في شكل مشفّر على قنوات «أوربت» في السنوات الماضية، جاء الموسم المنصرم بعرض مشفّر آخر لمسلسل مميز هو «أبو خليل القباني» من اخراج السورية الشابة إيناس حقي. من حق جهات الإنتاج أن تبث إنتاجاتها بالطريقة كما تريد (حصري، مفتوح، مشفّر)، لكنها في الوقت ذاته مطالبة بعدم حجب الثقافة عن الجمهور، بخاصة عندما تنتج عملاً يقدم قيمة معرفية في خضم النتاجات الدرامية المتردية المنتشرة على شاشات الفضائيات العربية. هذا الأمر ينطبق على مسلسل «أبو خليل القباني» ومن قبله «الحصرم الشامي» و «أولاد قيمرية». فالأعمال الثلاثة تعالج حقبة تاريخية مهمة من تاريخ دمشق، يجب أن تكون ملكاً للجمهور العريض. لكن الأمر بدا مختلفاً، إذ لم تقتصر القناة على حصرية الأعمال في بثها الأول بل وضعت الأعمال في أدراج مكاتبها من دون أن تبيعها لجهات أخرى. والغريب في الأمر أن بيع هذه الأعمال سيعود بالفائدة أولاً على القناة التي ستستفيد من العائدات المادية، وبطبيعة الحال سيصب في مصلحة صناع هذه الأعمال من كتّاب ومخرجين وممثلين وحتى فنيين. ولكن على ما يبدو أن التخبط الذي تعيشه الشبكة في الآونة الأخيرة هو أحد أهم الأسباب التي منعت بيع هذه الأعمال للقنوات الأخرى. قد يكون الحديث متأخراً عن مسلسلي «الحصرم الشامي» و «أولاد القيمرية»، لكن الأمر مختلف مع مسلسل «أبو خليل القباني» الذي ما زال طازجاً وقد يترك أثراً لدى المشاهد العربي عموماً والسوري خصوصاً. ذلك ان أهمية العمل تنبع من الشخصية التي يتطرق إليها، والتي تعد إحدى أولى مؤسسي الفن في سورية والعالم العربي. وعلى رغم اعتماد المسلسل على الوقائع التاريخية في صيغته الفنية، فإنه على مستوى الإخراج جاء مشوقاً وممتعاً، ويقدم المخرجة الشابة للمرة الأولى – على رغم أعمالها السابقة - كمشروع مخرجة تحمل الجديد على مستوى الصورة وطريقة المعالجة باستثناء مشاهد كانت في حاجة الى مزيد من الاهتمام بخاصة تلك التي تقدم الاستعراضات والعروض المسرحية (الكميضة) ورقص السماح، عبر التعمق في شكل أكبر في ماهيتها والتركيز في شكل أكبر على عناصر الفرجة والإبهار. أما على مستوى النص فقد كان خالٍ من الإطالة والاستطراد في الجوانب الذاتية وركّز في شكل واضح على الجوانب الاجتماعية والسياسية التي كانت سائدة في سورية ومصر، والتطور الذي حدث في عهد والي الشام مدحت باشا، والخديوي في مصر، وحمل الكثير من الإسقاطات على الواقع العربي المعاش. وعلى رغم أنه تجاهل عدداً من المحطات المهمة في تاريخ «أبو خليل القباني» كرحلته إلى تركيا والولايات المتحدة ودراسته لفنون المسرح، لكنه مع ذلك استطاع تسليط الضوء على حقبة تاريخية مهمة عبر التطرق الى حياة شخصية مفصلية في تاريخ الفن العربي، وابتعد عن تقديم الشخصية المثالية – كما في معظم أعمال السيرة الذاتية - وقدمها بأخطائها وإنجازاتها وهذا ما يسجل لطاقم العمل (الكاتب والمخرجة). على صعيد آخر، استطاع معظم الممثلين المشاركين أن يقدموا أنفسهم بطريقة مختلفة عما اعتدنا أن نراهم فيها في معظم الأعمال الدرامية الأخرى، وبخاصة ديمة قندلفت وباسل خياط. فالأولى قدمت نفسها كممثلة يحسب لها الحساب في المستقبل، فيما اتسم أداء باسل خياط بالدقة والعفوية، كما أضاف أداءه لأغنيات القباني الشهيرة «يا طيرة طيري» و «سمك بني» و «يا مال الشام» بصوته من دون استخدام «الدوبلير» بعداً جمالياً وأكسب العمل صفة الواقعية.