في ضوء البحث الاستخباري والأمني المحموم عن صانع قنابل «القاعدة» المطلوب السعودي إبراهيم بن حسن عسيري الذي تتهمه الولاياتالمتحدة بتفخيخ الطرود البريدية التي تم إحباط تفجيرها الأسبوع الماضي، رجّح مختص بشؤون تنظيم «القاعدة في جزيرة العرب» الذي يتخذ اليمن مقراً، أن يعمد التنظيم إلى توفير مخبأ حصين لعسيري في محافظات مأرب أو شبوة أو أبين، حيث تساعد التضاريس الجغرافية في الخروج على القانون، والبقاء بمعزل عن العدالة. وأكد أن اصطياد فرق التصفية الأميركية المتخصصة لعسيري ومُنظّر التنظيم اليمني - الأميركي المولد أنور العولقي أضحى «مسألة وقت ومعلومة». وأكدت مصادر مطلعة ل«الحياة» أن تنظيم «القاعدة» في اليمن سيعمل على إخفاء عسيري المطلوب أمنياً، والذي يحمل الرقم واحد في قائمة ال 85 مطلوباً أمنياً في السعودية، بعد افتضاح تورطه في قضية صناعة الطرود الملغومة في مناطق نائية «كون الطبيعة الجغرافية لليمن تسمح بمواراته عن الأنظار في الجبال». وأوضح الباحث في شؤون الإرهاب في اليمن الدكتور سعيد بن عبيد ل«الحياة»، أن تنظيم «القاعدة» سيبدي حرصاً أكبر على إخفاء عسيري للحفاظ عليه، بعدما تأكد بروز دوره في إعلان القائد العسكري للتنظيم اليمني قاسم الريمي في مقطع مرئي تم بثه الشهر الماضي. وقال عبيد: «ظهر دور عسيري باعتباره أحد أهم الكوادر التي تمتلك الخبرات اللازمة في صناعة المتفجرات والمواد الناسفة، وذلك بعد أن أعد المتفجرات لمحاولة شقيقه، الانتحاري عبدالله عسيري، اغتيال مساعد وزير الداخلية السعودي للشؤون الأمنية الأمير محمد بن نايف في منزله في جدة عام 2009». وأشار إلى أن المناطق النائية التي تسمح لعسيري بالتواري تقع في محافظات مأرب وشبوة وأبين، التي شهدت خلال الأيام الماضية حملات أمنية للبحث عن عناصر «القاعدة» بمساندة أبناء القبائل هناك. ولفت إلى أن المطلوب عسيري لن يغامر بسرقة المحاليل الكيماوية من المستشفيات لتحضيره العمليات الإرهابية. وقال إن «سرقة المحاليل من مختبرات المستشفيات تعد عملية محفوفة بالمخاطر، وهناك من العناصر غير المعروفة لدى أجهزة الأمن التي تحرس المستشفيات هي التي تتكفل بسرقة المواد أو شرائها من بعض الفاسدين أو الجاهلين بمدى خطورة ما سينجم عن تفريطهم في واجباتهم». وأضاف: «في اليمن كل شيء سهل، بسبب الفقر وضعف الرقابة وانعدام التنسيق بين مؤسسات الدولة». وذكر عبيد أن المطلوب الأميركي من أصل يمني أنور العولقي ينعم بحياة آمنة بحماية قبيلته، ويتضح لنا ذلك من تسجيلاته المرئية، فهو يظهر بصحة جيدة وروح متحفزة، كما أن المشهد الذي يحيط به يدل على الاستقرار وعدم وجود أي مخاوف من استهدافه. لكنه قال إن «الأميركيين عازمون على استهداف العولقي، ويتحينون الفرص، وهي مسألة وقت». وعن استهداف أميركا لعسيري، قال الباحث في شؤون الإرهاب: «ليس هناك ما يحول بين الأميركيين واستهدافه سوى توافر المعلومات المطلوبة، واقتناص الفرصة المناسبة، فليس ثمة ما يمكنه منع الطيران الأميركي من اصطياد فرائسه سوى المعلومة والوقت، أما الرفض الرسمي، فسيتم احتواؤه مثلما حصل عند استهداف عنصر القاعدة أبوعلي الحارثي». إلى ذلك، فجّر مجهولون، يُعتقد بأنهم ينتمون إلى تنظيم «القاعدة» في اليمن، أنبوباً للنفط بالقرب من منطقة الشبيكة في محافظة شبوة صباح أمس. وقال شهود عيان إن الجناة حفروا تحت الأنبوب، الذي تديره شركة كورية، قبل نسفه. وسمع صوت الانفجار، وشوهد الدخان والنار، على بعد كيلومترات. في موازاة ذلك، بدأت محاكمة أنور العولقي غيابياً مع «أنصاره» المتهمين بقتل مهندس فرنسي في صنعاء. ولم يستبعد مصدر محلي أن تكون عناصر من «القاعدة» وراء التفجير في شبوة والذي تبعه إرسال تعزيزات أمنية وعسكرية من مدينة عتق إلى موقع انفجار أنبوب النفط الممتد من حقل عياذ إلى الخزانات في النشيمة على ساحل البحر العربي. وتزامن التفجير مع حملة عسكرية واسعة في شبوة تستهدف ملاحقة عناصر «القاعدة» بالتوازي مع حملة مماثلة في مأرب المجاورة بحثاً عن مطلوبين في «القاعدة» من اليمنيين والسعوديين. وبدأت أمس المحكمة الجزائية المختصة بقضايا الإرهاب في صنعاء محاكمة ثلاثة أشخاص بينهم أنور العولقي (غيابياً) بتهمة الانتماء إلى «القاعدة» وقتل الفرنسي جاكوزي هنري في 6 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي. وهي المرة الأولى التي يقدم فيها العولقي المطلوب أميركياً كمتهم في قضية ذات طابع إرهابي. ووجّه الادعاء إلى العولقي تهمة الاشتراك مع هاشم محمد عاصم وعثمان العولقي في عصابة مسلحة تستهدف رجال الأمن إضافة إلى الانتماء لتنظيم «إرهابي» والتحريض على قتل الأجانب والتآمر على أمن البلاد والسلام الاجتماعي. ويُحاكم أنور ناصر عبدالله العولقي وابن عمه عثمان محمد عبدالله العولقي غيابياً في القضية، فيما مثل هاشم محمد عاصم المتهم الأول بقتل الفرنسي أمام قاضي المحكمة نافياً الاتهامات المنسوبة إليه. وكشف الادعاء أمام المحكمة عن اتصالات أجراها عاصم مع أنور العولقي عبر البريد الإلكتروني الخاص بالمتهم عثمان، وحرضه خلالها على قتل الأجانب المقيمين في اليمن ومنهم من يعمل في الشركة النفطية النمسوية، حيث يعمل حارساً، ما دفعه لقتل الفرنسي ومحاولة قتل البريطاني غوردن هون. وفي الجلسة نفسها جدد الصحافي المتخصص في شؤون الإرهاب عبدالإله حيدر شائع رفضه للمحاكمة إلا بعد إحضار مختطفيه المسؤولين عن اعتقاله ومحاكمتهم. وقال حيدر أمام رئيس المحكمة القاضي رضوان النمر إن رئيس جهاز الأمن القومي قال له: «لا تحلم بدستور وقانون يحميك سندمر حياتك». غير أن القاضي قال إنه إذا كان لحيدر الطعن في الإجراءات التي تمت منذ اعتقاله إلى أن أحيل على النيابة ثم المحكمة فمن حقه أن يتقدم بدفوع إجرائية يوضح فيها ما أراد من نقاط يرى أنها مخالفة للقانون وإن كان يرى أن القبض عليه يشكل جريمة فله الحق بتقديم شكوى وستتم إحالتها للنيابة للتحقيق فيها. وفي محافظة حضرموت قضت المحكمة الجزائية المتخصصة بقضايا الإرهاب بالحبس أربع سنوات على 16 متهماً من «القاعدة» اشتركوا جميعاً في اتفاق جنائي لتشكيل عصابة مسلحة منظمة للقيام بأعمال إجرامية تنفيذاً لمخطط إجرامي جماعي وأعدوا لذلك الغرض والوسائل اللازمة من التجهيز والتنسيق واستخراج جوازات سفر للالتحاق بما يسمى تنظيم القاعدة في العراق. وقضى الحكم بإدانة المتهمين ومعاقبتهم بالحبس أربع سنوات تحسب من تاريخ القبض عليهم، وإلزام المدانين بعدم تنفيذ العقوبة وتقديم تعهد منهم ومن ذويهم بعدم الإخلال بالأمن والالتزام وحسن السلوك مصحوباً بكفالة.