اعترف بأنني عاجز عن كتابة مقالي الأسبوعي. الأحداث لم تتغير، صراع على الحكومة في العراق، وحكومة تصارع ذاتها في لبنان. المؤامرة على السودان في طريقها إلى التنفيذ. لم يتغير شيء في الأحداث، سوى التوافق الغريب بين إيران والولايات المتحدة وسورية على تولي نوري المالكي رئاسة الحكومة لولاية ثانية، وهو توافق ينم عن صفقة كبيرة عقدت من وراء ظهر زعيم القائمة «العراقية» إياد علاوي وحلفائه، وهو أمر لا يغري على الكتابة، خصوصاً أنني أتمنى أن يبقى الأخ علاوي زعيم كتلة برلمانية معارضة، وهو الأمر الذي تمنيت أن يفعله سعد الحريري، لكنه أصرّ أن يتسنم رئاسة وزراء لبنان، وهو لا يدري أنها مهمة صعبة جعلته حبيس السراي الحكومي وبيت الوسط. لا شيء يغري على الكتابة، غير أني رأيت يوم الجمعة الماضي على الصفحة الأولى من هذه الصحيفة صورة لمجموعة من عقيلات الرؤساء العرب (السيدات الأول) في صورة تذكارية خلال مشاركتهن في المؤتمر الثالث لمنظمة النساء العربيات الذي بدأ أعماله في تونس يوم الخميس الماضي تحت شعار: «المرأة العربية في التنمية المستدامة». صحيح أن الشعار، مثله مثل أي شعار عربي، براق وجاذب ويدفعك إلى التفاؤل، إلا أنني ومن حيث لا أدري وجدتني أدقق في الصورة فوجدتهن سيدات متواضعات في أناقتهن بسيطات في ملبسهن، غير أن ثلاثة منهن وضعن على صدورهن «بروشات» صغيرة وأنيقة، ولا أدري لماذا قدرت أن قيمة البروشات تكفي لدفع رواتب ثلاث مؤسسات صحافية عربية؟! ناهيك عن أني فكرت بأن تكاليف مؤتمرهن في تونس، تكفي لدفع رواتب الصحافيين العرب كافة، من دون أن أضيف إلى تكاليف المؤتمر كلفة سفرهن وإقامتهن وطائراتهن الخاصة وتكاليف السكرتيرات والمرافقات. كانت زوجة الرئيس عمر البشير متألقة وهي تقف في الصف الأول بلباسها الإسلامي، وهي كانت الوحيدة التي تحمل في يدها حقيبة يد حمراء اللون تتماشى مع التطريزات التي على ثوبها، ولكأنها فكرت بسلفها زوجة جعفر نميري التي سألها زوجها وهما يغادران السودان إن كانت نسيت شيئاً من مصاغها في الخرطوم، فقالت: نسيت سوار الذهب (تقصد عبدالرحمن سوار الذهب الذي أطاح بزوجها في أول انقلاب سلمي عربي). إلى جوار زوجة البشير (وهي بالمناسبة زوجته الصغرى)، كانت تقف سيدة مصر الأولى، السيدة سوزان مبارك وعلى محياها ابتسامة توحي بعظمة مصر، وكأنها بابتسامتها تستعرض تاريخ مصر الذي أحببته صغيراً وعشقته رجلاً يعرف ماذا يعني أن تكون مصر حاضنة لقضايا الأمة. جميع الشعوب العربية بخير ولا ينقصها سوى «الخام والطعام»، ومن واجبي بصفتي الصحافية أن أضع مطالب الناس على طاولة المسؤولين، لهذا سأطلب من «السيدات الأول»، وهن الأكثر تأثيراً على أزواجهن، أن يقلن لهم أن يعيدوا للإنسان العربي جزءاً من كينونته التي مرغتها جنازير الدبابات. أن يضع كل واحد منهم على طاولته ورقة بيضاء ويرسم عليها خطاً بيانياً لتنامي الحريات، وورقة أخرى يعدد عليها مؤسسات المجتمع المدني في وطنه، وما إذا كانت هذه المؤسسات فاعلة أم إنها جزء من ديكور الحزب الحاكم، وورقة ثالثة يضع عليها خطته للتعليم ورابعة للصحة وخامسة للسكن وسادسة لتأمين قبر لكل مواطن. نريد من السيدات الأول أن يقلن لأزواجهن إن مساكن الصفيح أصبحت عاملاً مشتركاً بين العواصم العربية، وإن الهجرة من الأرياف إلى المدن بازدياد وهو ما يعني انفجار العواصم سكانياً وتراجع التنمية في الثروات الحيوانية والزراعة. نريد منهن أن يقلن لأزواجهن إن المؤامرة اكتملت وإن السودان قاب قوسين أو أدنى من التقسيم، نريدهن أن يقلن لأزواجهن أن يستعدوا للمستقبل، ليس بمنع الانهيارات والانقسامات، بل بتوسيع جامعة الدول العربية وتهيئة أماكن للدول المنفصلة للانضمام إليها. نريدهن أن يقلن لأزواجهن إن السودان الذي يعاني المجاعة يعدم 20 ألف لتر حليب يومياً لعدم وجود مصانع، وإن نصف إنتاج سورية من الخضروات يعدم للسبب ذاته. نريدهن أن يقلن لهم أن يفكروا بالتكامل الاقتصادي، قبل أن يتحول الوطن العربي إلى مجاعة أكبر، ويصبح عالة على العالم. نريد أن نطمئن إلى مستقبل أطفالنا.