وجه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز دعوته للعراقيين للاجتماع في بلدهم الثاني المملكة العربية السعودية، لحل مشكلاتهم، وتشكيل حكومة عراقية وطنية تضم جميع أطياف الشعب العراقي، ونبذ خلافاتهم السياسية، والبعد عن الأحقاد، وعدم الانجرار للفتنة التي لن يستفيد منها إلا أعداء الأمة العربية، والطامعون في العراق ومقدراته، وبنظرة تحليلية لهذه الدعوة أو المبادرة، لا بد أن نستعرض ثلاثة أشياء مهمة في هذه المبادرة وهي: أولاً: الهدف: تهدف مبادرة خادم الحرمين إلى البحث عن مخرج، وحل لتشكيل الحكومة العراقية يرضي جميع الأطراف ويبعد التدخلات الأجنبية، وهذا لا يأتي إلا باجتماع العراقيين وتحاورهم، وبمساعدة عربية مخلصة، وتحت مظلة جامعة الدول العربية، لذلك عبّرت المبادرة عن هدف نبيل يطمح خادم الحرمين الشريفين إلى تحقيقه وهو عودة العراق إلى الصف العربي، مكملاً لأشقائه العرب في مساندته لقضاياهم، ومطوراً لآليات عمله السياسي، وحامياً لمقدراته وأبناء شعبه من دون استثناء. ثانياً: التوقيت: بالنسبة لتوقيت المبادرة، فقد جاءت بعد أن تاه العراقيون، وسدت جميع السبل في التوصل لحل مرضٍ لهم، وبعد استشفاف خادم الحرمين الشريفين لما قد يقود له هذا التفرق الذي أصابهم، ولن يستفيد منه إلا الأجنبي والعدو والطامع في مقدرات الشعب العراقي. ثالثاً: الشمولية: أما من ناحية الشمولية فقد قال أيده الله «أوجه نداءً إلى شعبنا في العراق الشقيق الأبي... عراق الأديان والمذاهب والأعراق المتسامحة المتعايشة»، هذه الكلمات لم تستثنِ أي أحد، وتشير إلى جميع مكونات الشعب العراقي، إضافة إلى أفراده وسياسييه، ابتداءً من الرئيس وحتى أصغر فرد في الشعب العراقي الشقيق. يوماً بعد يوم يظهر خادم الحرمين الشريفين حرصه واهتمامه بأبناء الشعوب العربية، ومساعدتهم على تخطي الصعاب والمحن، فهو الملك الإنسان، الغيور على أمته ومستقبلها، وهو الشخصية المقبولة لدى شعوب الأمة العربية جمعاء، وهو صاحب المبادرات العربية التصالحية، ولم الشمل العربي، وجمع كلمة العرب في بيت العرب ومهد رسالة الإسلام، دين التسامح والإخاء والتعايش. لم يتوانَ خادم الحرمين الشريفين في مد يد العون لكل عربي احتاج لمساعدته، فمنذ قمة الكويت الاقتصادية، وهو يدعو ويبادر ويجمع العرب، ويدعوهم إلى نبذ الخلافات وجمع كلمتهم والتوحد أمام أعدائهم ومساندة قضاياهم المصيرية، فمن لبنان إلى فلسطين والسودان واليمن والعراق، وهو لا يهدأ في طرق الأبواب والسبل كافة لتجنيب الشعوب العربية ويلات الحروب والتناحر. لقد قال خادم الحرمين الشريفين كلمته للعراقيين بأن وحدتهم قوة وتفرقهم ضعف، وأن المملكة العربية السعودية جاهزة لمساعدتهم في حل مشكلاتهم، وعليهم التضحية في سبيل وحدتهم، من خلال نبذ الفتنة والطائفية البغيضة التي لن يستفيد منها أحد، وهو ليس النداء الأول الذي يوجهه لهم، بل سبقه دعوات عدة من ضمنها دعوته لهم في مكة قبل بضع سنوات. الجميع يجمع أن الكرة الآن في مرمى العراقيين لحل مشكلاتهم وبمساعدة من أشقائهم العرب، ولن يستطيع أحد أن يفرض الحل عليهم، لذلك عليهم أن يغتنموا هذه الفرصة ويسجلوا للتاريخ أنهم أهل لحل مشكلاتهم، وتوحيد جهودهم وبناء وطنهم من خلال تشكيل حكومة وحدة وطنية ترضي جميع الأطياف العراقية، وتبعد شبح التدخلات الخارجية غير العربية عن العراق وشعبه. لن يستطيع العرب أن تكون لهم كلمة في المحافل الدولية، وأن يواجهوا أعداءهم ويحرروا أراضيهم وهم متفرقون، متناحرون، وهذا ما يؤكده خادم الحرمين الشريفين في كل خطاباته ونداءاته للعرب «قادة وشعوباً»، لذلك تأتي دعوته للعراقيين من حريص غيور على أمته وشعبه، لعل الله أن يهديهم ويقبلوا دعوته ويحضروا للمملكة ويجتمعوا على مصلحة العراق وشعبه ومصالح الأمة العربية. * أكاديمي سعودي.