ترتبط وتيرة النشاط في أي من القطاعات الإنتاجية، بعلاقة عكسية بين اتساع الاستثمار وتنوعه، وبين درجة الأخطار المصاحبة. وتعكس هذه العلاقة مثلاً، خطط دول مجلس التعاون الخليجي، التي رصدت أكثر من 100 بليون دولار لتطوير مشاريع النفط والغاز فيها بين عامي 2010 و 2015. ولم تأتِ هذه المخصصات والخطط وليدة اللحظة ولم تظهر لتستهدف فرصة استثمارية محددة وخلال فترة قصيرة، بل جاءت تبعاً لمؤشرات عكستها أسواق الطاقة العالمية، سواء بالنسبة لزيادة الطلب على مشتقات الطاقة، أم نتيجة قناعة راسخة بأهمية القطاع وقدرته على تحقيق الاستقرار والنمو للاقتصادات المحلية والعالمية. يلاحظ أن قطاعي النفط والغاز يشهدان تطوراً عمودياً وأفقياً، نظراً الى التسابق المحموم في الدول النفطية غير المنتجة للدخول إلى حلبة المنتجين، من طريق اتفاقات مع شركات النفط العالمية العملاقة لتوسيع رقعة التنقيب وتحسين احتمالات الإنتاج لديها بكل الوسائل والتقنيات. وتنطلق هذه الدول في خططها للدخول إلى حلبة الإنتاج، وتنويع مصادر الدخل لديها بعد تراجع فرص جذب الاستثمارات الأجنبية الى قطاعاتها المختلفة، مع دخول تأثيرات الأزمة العالمية وتراجع وتيرة النشاط في القطاعات الأخرى. وظهرت أخيراً رغبة لدى بعض الدول لرفع تصنيفها الائتماني والظهور بمظهر الدول المستقرة والقادرة على النمو بالاعتماد على الاحتياطات المكتشفة لديها من النفط والغاز، ليتسنى لها جذب استثمارات خارجية أو الحصول على قروض متنوعة من مصادر التمويل العالمية كلما كان التصنيف الائتماني في الاتجاه الموجب. فالدول غير المنتجة أو تلك التي لم يصل الإنتاج فيها الى الحدود التجارية، لا تملك القدرة على تمويل الاستثمار بمفردها. ويعتبر التصنيف الائتماني على مستوى الدول وقطاعاتها المختلفة من العوامل التي أصبحت تستحوذ على أهمية كبيرة لما لها من تأثير على قرارات قنوات التمويل العالمية التي تضغط على قرارات شركات النفط والغاز العالمية في التوجه نحو تلك الدول للاستثمار فيها. وفي هذا المجال، تنشط دول الخليج النفطية في عقد شراكات وجذب استثمارات لتعزيز القطاع وتطويره. ففي السعودية أبرمت شركة «أرامكو» المملوكة للدولة وشركة «توتال» الفرنسية، اتفاق قرض ب1.3 بليون دولار مع صندوق الاستثمارات العامة السعودي، في أحدث خطوات لتمويل مصفاتهما المشتركة، ويجرى بناء المصفاة التي تبلغ طاقتها الإنتاجية 400 ألف برميل يومياً في الجبيل في اطار مساعي السعودية لزيادة طاقتها التكريرية الى ضعف مستواها الحالي البالغ 2.1 مليون برميل يومياً، وكانت شركة أرامكو السعودية توتال للتكرير والبتروكيماويات (ساتورب) قالت في حزيران (يونيو) انها جمعت 8.5 بليون دولار من تكلفة المشروع البالغة 12.8 بليون. كما ضربت «أرامكو السعودية» للشركات الهندسية موعداً جديداً لتقديم عروض بناء أضخم محطة غاز في المملكة. وستكون محطة واسط قادرة على معالجة 2.5 بليون قدم مكعبة يومياً من الغاز من حقلي الغاز البحريين، العربية والحسبة، وانتاج نحو 1.75 بليون قدم مكعبة يومياً من الغاز الصالح للبيع. وفي الإمارات أبرمت شركة «جي إس للهندسة والإنشاءات»، ثالث أكبر شركة إنشاءات في كوريا الجنوبية، اتفاقاً قيمته 623 مليون دولار لبناء خط أنابيب للبترول في الإمارات طوله 910 كيلومترات. وتتوقع «شركة البترول الوطنية الكويتية» إصدار مناقصات في نيسان (أبريل) المقبل في إطار مشروعها الذي طال انتظاره لإنتاج وقود نظيف، وسيتضمن المشروع إنشاء 30 وحدة على الأقل في مصفاتي ميناء العبدالله وميناء الأحمدي وينتج وقود الديزل الذي يبلغ تركيز الكبريت فيه عشرة أجزاء في المليون والبنزين الموافق لمعايير «يورو 4» فضلاً عن منتجات أخرى. وأعلنت شركة نفط الكويت عن توقيع عقد مع شركة مجموعة «الخريف» العربية السعودية لإنشاء مركز التجميع 16 غرب البلاد. اما البحرين فشارفت على الانتهاء من إعداد مناقصة لبناء مرفأ للغاز الطبيعي المسيّل تكلفته 600 مليون دولار، وتحتاج الشركات الأربع عشرة التي تأهلت لتقديم عروض، الى نحو 16 اسبوعاً للتقدم بعروض نهائية. ويذكر أن تكلفة المرفأ لن تقل عن 600 مليون دولار بطاقة 400 مليون قدم مكعبة يومياً. كذلك اختتمت في بغداد الأسبوع الماضي جولة التراخيص الثالثة لتطوير ثلاثة حقول غاز هي عكاس في الانبار، والمنصورية في ديالى، والسيبة في البصرة وتنافست عليها 13 شركة عالمية. وحصل ائتلاف شركتي «كويت انرجي» (60 في المئة) و «تي بي ايه او» التركية (40 في المئة)، على عقد استثمار حقل غاز سيبة جنوب مدينة البصرة. وفاز ائتلاف شركات «كويت انرجي» و «بي سي» التركية و «كوغاز» الكورية الجنوبية، على عقد استثمار حقل غاز المنصورية في محافظة ديالى لأنه الائتلاف الوحيد الذي قدم عرضاً بذلك في المقابل حصل ائتلاف شركتي «كوغاز» و «كازموناي غاز» على عقد استثمار حقل عكاز في محافظة الأنبار القريب من الحدود العراقية – السورية. وقدم الائتلاف سعراً مقترحاً للبرميل المكافئ من الغاز بلغ نحو 5.5 دولار، بمعدل انتاج تبلغ ذروته 400 مليون قدم مكعبة قياسية يومياً على مدى 13 سنة. ويبلغ طول الحقل 50 كيلومتراً وعرضه 18 كيلومتراً وفيه ست آبار محفورة ويبلغ المخزون الغازي المثبت فيه 5.6 ترليون متر مكعب قياسي. ولكن يبدو أن هذه الائتلافات ستواجه تحديات كبيرة مع موقف مجالس المحافظات التي تقع فيها هذه الحقول، والتي لوحت بمقاطعة الشركات المستثمرة ما لم تستجب الحكومة المركزية لمطالبها بأن يكون استثمار هذه الحقول للأغراض الداخلية العراقية مثل توليد الكهرباء ودعم الصناعات المحلية وخلق آلاف فرص العمل للمواطنين العراقيين، وليس بتصدير انتاجها خاماً الى الدول الاخرى. وفي هذا الصدد شدد المسؤولون قي محافظة الأنبار على اللجوء الى القضاء العراقي والمحكمة الاتحادية لحل المشكلة مع الحكومة المركزية. الى ذلك، يتوقع أن تبرم وزارة النفط الايرانية (شانا) عقداً بخمسة بلايين دولار مع شركة أجنبية لتطوير حقل غاز «فرزاد - ب» البحري. ولم يكشف عن اسم الشركة لكن «مؤسسة النفط والغاز الطبيعي المحدودة» المملوكة للدولة في الهند ترأس كونسورتيوم يمتلك حقوق التنقيب الحصرية في منطقة امتياز تضم حقل «فرزاد - ب».