خلافاً للمعتاد في أمسيات التأبين، كان حفل الوداع الذي نظمته مجموعة من أصدقاء الأديب السعودي الراحل وزير العمل الدكتور غازي القصيبي في لندن مساء أول من أمس، محملاً بذكريات باسمة عن الرجل الذي أجمع المتحدثون على أنه قامة «استثنائية» يبدو العرب في أمس الحاجة إليها. واحتشدت قاعة «تشاتام هاوس» في وسط العاصمة البريطانية بعشرات من محبي القصيبي وأصدقائه من مختلف الجنسيات، جاء بعضهم إلى لندن خصوصاً لحضور الأمسية التي استمرت نحو ثلاث ساعات بحضور نجل الفقيد فارس وابنة أخيه لبنى. وكشف الصحافي السعودي عثمان العمير أن ملك البحرين الشيخ حمد بن عيسى تبرع بأرض بين البحرين والسعودية لبناء معلم لتخليد إنجازات القصيبي. وأكد أن الفكرة التي اقترحها بالتشاور مع عائلة القصيبي بعد وفاته هدفها «أن يكون غازي موجوداً دائماً بأفعاله وإنجازاته، مثالاً للأجيال الحالية والمقبلة». أما عميد السلك الديبلوماسي في لندن السفير الكويتي خالد الدويسان فأضحك الحضور بذكره مجموعة من المواقف الطريفة التي جمعته والفقيد خلال عملهما المشترك في لندن التي كان القصيبي سفيراً لبلاده فيها لنحو 10 سنوات أنتج خلالها 12 كتاباً. وألقى وزير البريطاني السابق جوناثان اتكين كلمة تحدث فيها عن علاقته بالقصيبي التي تعود إلى أكثر من ثلاثين سنةً منذ كان الراحل وزيراً للكهرباء في بلاده. ونوّه بنشاطه الديبلوماسي المكثف في لندن وتحركاته النشيطة وعلاقاته المتشعبة في دوائر السياسة البريطانية. وروى رئيس «كرسي الملك فهد للدراسات الإسلامية» في جامعة لندن الدكتور محمد عبدالحليم، قصة تأسيس هذا الكرسي الأول من نوعه في بريطانيا ودور القصيبي فيه، كما كشف للمرة الأولى أن الأخير تكفل بتكاليف أول ترجمة إسلامية لمعاني القرآن الكريم إلى اللغة الإنكليزية. وركز عميد السلك الديبلوماسي العربي في لندن خلال التسعينات السفير المصري السابق محمد شاكر على الأعمال الأدبية للفقيد، وقرأ مقتبسات من انطباعات القصيبي عن لندن، كما ذكّر بأن «شقة الحرية»، أبرز روايات القصيبي عن سنواته في مصر، صدرت من عاصمة الضباب. وتحدث في الأمسية مدير «المركز الثقافي الإسلامي» في لندن أحمد الدبيان، وسفير السعودية في منظمة الأممالمتحدة للتربية والثقافة والعلوم «يونيسكو» زياد الدريس الذي قال إن «هزيمة القصيبي في انتخابات المنظمة في عام 1999 ب 34 صوتاً، دحضتها عودته إلى يونيسكو في عام 2008 بأمسية شعرية صفق له فيه طويلاً أكثر من ألف صوت». وتذكر رئيس تحرير جريدة «القدس العربي» عبدالباري عطوان مواقفه مع القصيبي الذي كان يحتفظ معه بعلاقات طيبة على رغم اختلافهما سياسياً، مشيراً إلى أن الراحل «كان يحترم الاختلاف». وأكد أنه «ألقى صخرة كبيرة حركت المياه الراكدة في الوسط الثقافي العربي في بريطانيا». وقرأ جهاد الخازن بعض الرسائل الودية التي كان يتبادلها والقصيبي، فيما فاجأت مقدمة الحفل بارعة علم الدين الحضور بقراءة رسالة مؤثرة من ولي عهد بريطانيا الأمير تشارلز إلى عائلة القصيبي قال فيها: «لا يمكنكم أن تتخيلوا كم تعلمت منه عن العالم الإسلامي، ولا قدر تقديري لحكمته وخبرته».