بعد أن أصدرت المحكمة الاتحادية العليا قرارها الذي طال انتظاره، بإلغاء الجلسة المفتوحة لمجلس النواب، وبالتالي حتمية انعقاد مجلس النواب في أسرع وقت ممكن لاستكمال الجلسة الأولى، والتي سجلت رقماً قياسياً دخل التأريخ السياسي من أوسع الأبواب، فهي أطول جلسة برلمان مفتوحة لحد الآن، والتي يجب أن يتم فيها انتحاب رئيس مجلس النواب ثم نائبيه، وفقاً للآلية التي رسمها الدستور في المادة 55 منه، وتنص على الآتي «ينتخب مجلس النواب في أول جلسة له رئيساً، ثم نائباً أول ونائباً ثانياً، بالأغلبية المطلقة لعدد أعضاء مجلس النواب، بالانتخاب السري المباشر»، وهذا يعد الخطوة الأولى في تشكيل الحكومة التي لا بد لها أن ترى النور. وقرار المحكمة الاتحادية العليا يعد باتاً وملزماً لجميع المؤسسات في جمهورية العراق، وهذا ما أكدت عليه المادة 94 من الدستور العراقي النافذ، بقولها: «قرارات المحكمة الاتحادية العليا باتة وملزمة للسلطات كافة»، ومن ضمنها مجلس النواب، الذي يتحتم عليه الإسراع في عقد جلسته الأولى والاستمرار فيها من خلال دعوة رئيسه المؤقت جميع الأعضاء إلى الجلسة. إن قرار المحكمة الاتحادية العليا على رغم أهميته من خلال تفعيله لدور القضاء أولاً، وتأكيد دوره في حسم كثير من الأمور وفقاً لأحكام الدستور والقانون، ومن خلال الركون إلى المحكمة الاتحادية العليا وجعلها المرجع الوحيد في البت بالمسائل المتعلقة بتفسير الدستور، هذا القرار جاء متأخراً، والذي لا نجد له مبرراً مقبولاً، إذ كان من المفترض أن يصدر قبل هذا التاريخ. فالمحكمة الاتحادية العليا بيدها الكثير من الحلول الدستورية والقانونية للأزمة السياسية التي يمر بها العراق (أزمة تشكيل الحكومة)، فهي هيئة قضائية مستقلة لا سلطان عليها إلا لحكم القانون، وبالتالي كان عليها أن تتخذ هذا القرار في وقت مبكر بعد تقديم الدعوى إليها من قبل تحالف مؤسسات المجتمع المدني. إن صدور هذا القرار تزامن مع وجود تفاهمات سياسية مهمة بين الكتل السياسية (اختيار التحالف الوطني مرشحه لرئاسة الوزراء، تقارب كبير بين التحالف الوطني والتحالف الكردستاني من خلال الورقة الكردية التي طرحت، تصريحات قادة القائمة العراقية استعدادها للمشاركة في حكومة الشراكة الوطنية، وتخليها عن مطالبها السابقة برئاسة الوزراء أو الحق في تشكيل الحكومة مع مراعاة الاستحقاقات الانتخابية)، هو مؤشر ايجابي لانفراج الأزمة، لكن هل كان هذا التزامن والتقارب الزمني صدفة، أم كان مقصوداً؟! والتساؤل الذي يطرحه كثيرون هو: ماذا بعد القرار؟ فالنصوص الدستورية المتعلقة بالمحكمة الاتحادية العليا، وكذلك قانون المحكمة الاتحادية العليا رقم 30 لسنة 2005، لم يتضمنا تحديداً للفترة الزمنية التي يجب أن يتم فيها تنفيذ قراراتها، ولكن بما أن قرارات المحكمة باتة وملزمة، ولا يمكن الطعن فيها أمام أي جهة أخرى، فعلى الجميع تطبيقها بأسرع وقت ممكن، الأمر الذي يعني ضرورة انعقاد المجلس في اليوم التالي لصدور القرار، تنفيذاً لقرار المحكمة الذي يلزم الجميع وفي مقدمهم مجلس النواب (المعني بالقرار بالدرجة الأساس)، أو في أقرب وقت ممكن وهو ما لم يتم حتى الآن على رغم مضي ثلاثة أيام على صدور القرار، لأن تفعيل القرار بيد الكتل السياسية وبالتحديد الكتل النيابية الكبرى في المجلس، فعلى الكتل النيابية وضع القرار موضع التنفيذ وبالتالي احترام رأي المحكمة وحكم القانون، لا سيما انها المرجع الأعلى في هذه المسائل، بإقرار الجميع. هذا الأمر لا نراه يتحقق ما لم يعقد اجتماع اربيل بين زعماء الكتل السياسية الكبرى، فلا جلسة برلمان إلا بعد اتفاق زعماء الكتل النيابية على الرئاسات الثلاث بشكل نهائي وحاسم، وهو ما نراه ممكن التحقق في الاجتماع الذي دعي له رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني. ولكن ما هو الحكم إذا لم يطبق قرار المحكمة ولم ينعقد مجلس النواب بسبب عدم الاتفاق بين الكتل السياسية؟ ألا يعد ذلك خرقاً جديداً لأحكام الدستور يضاف الى خروق السابقة، وتقليل من هيبة القضاء واحترامه، الذي نأمل ألا يحدث.