فرضت الأنشطة الزلزالية والثورانات البركانية التي بدأت تنشط في الجزء الغربي من الجزيرة العربية نفسها على ما عداها مادة أساسية في تداولات رواد المجالس والديوانيات في السعودية. «العيص» أضحت واحدة من أشهر المدن في السعودية. بفعل هذه الأنشطة، بعدما اندثر ذكرها في التاريخ الجديد الذي صنفها كمركز حضري من الفئة «د». وتقع هذه المنطقة شمال شرق المدينةالمنورة وقد صنفتها كتب السير ملتقى لطرق التجارة القديمة والحديثة من جزيرة العرب إلى الشام، ما دفع السرايا المسلمة إلى التتابع نحوها لقطع الطريق على قوافل تجار قريش العائدين من الشام. وخلال الفترة القليلة الماضية تصدرت العيص صدور مجالس السعوديين الذين لاكت ألسنتهم تطورات الأنشطة الطبيعية المتقلبة فيها، وباتت مصدر إلهام معرفي نشر ثقافة الزلازل والبراكين بين جل أطياف المجتمع السعودي، الذي صار ملماً بأدق تفاصيل الأنشطة الزلزالية والثورانات البركانية. فضلاً عن متابعته الدقيقة لمستويات الهزات الأرضية بحسب مقياس ريختر وتحليل مدى قوة كل منها وتبعاتها. وبعيداً من المداد المعرفي الذي أثمرته هزات العيص، فقد انعكست إيجاباً على آخرين توغلوا بين حنايا الموروث التاريخي وسبروا أغوار تاريخ العيص. مستذكرين أن أول سرية في الإسلام حطت رحالها في العيص. وهي تلك السرية التي أرسلها الرسول صلى الله عليه وسلم في الشهر السابع من السنة الأولى للهجرة النبوية بقيادة حمزة بن عبدالمطلب وقوامها 30 رجلاً لقطع الطريق على قافلة من 300 رجل ترأسهم أبو جهل في طريق العودة بالتجارة من الشام. قبل أن يتدخل أحد زعماء قبائل العيص يدعى مجدي بن عمرو الجهني للمهادنة بين الطائفتين. وتباينت سبل تفاعل السعوديين مع معطيات الأنشطة الطبيعية، إلا أن خلاصة القول تكمن في عودة تلك المنطقة «المنسية» إلى الذاكرة من جديد. وتصدرها نشرات الأنباء وتمحورت أحاديث العامة حولها ، حتى باتت بيئة خصبة لترويج الشائعات أيضاً. فقد تحولت فئة من السعوديين بين عشية وضحاها إلى مجموعة من خبراء الجيولوجيا تتنبأ بقرب إطلالة شبح الكارثة الطبيعية في حين استبعدت فئة أخرى حدوث ذلك. وبحسب أحد معلمي المدارس الحكومية في مكةالمكرمة رامي مندورة فإن أحاديث أصدقائه الذين ينادمهم يومياً في إحدى الاستراحات الكائنة في شرق العاصمة المقدسة تمحورت حول العيص، «تفاعل الجميع مع تطوراتها، وصرنا نتبادل آخر مستجدات الأوضاع بها، وتملكتنا حال من الترقب لما سيسفر عنه المستقبل القريب. على رغم أن بعضنا تنبأ بها لندخل في سلسلة من التحديات حول مدى صدق تلك التنبؤات، ولعل الأيام القادمة تكون حبلى بالكثير من المفاجآت التي ننتظرها بشوق». وترى الاختصاصية الاجتماعية ريم الحربي أن جهل الجيل الجديد من المجتمع السعودي بهذه الأحداث وعدم إلمامه بخبايا الأنشطة الزلزالية والانفجارات البركانية أثمر فضولاً حاداً لدى الكثيرين ولعب دوراً كبيراً في تفاعلهم مع الأحداث التي يمكن تصنيفها كغريبة على المجتمع، الذي اكتفى خلال الفترة الماضية بتناقل سير وأخبار صنفت في السابق ك«خرافات» تحولت فجأة إلى واقع ملموس.