كشف موقع «ويكيليكس» ان مئات المدنيين قتلوا على الحواجز الأميركية في العراق وأن الجيش الأميركي تستر على أعمال التعذيب الذي مارسته قوات الأمن العراقية اثناء سنوات الحرب على العراق. وأعلن مؤسس «ويكيليكس» جوليان اسانج في مؤتمر صحافي عقده امس في لندن، ان الوثائق ال 400 ألف السرية للجيش الأميركي التي نشرها الموقع، تكشف «حقيقة» الحرب في العراق وعما يمكن تسميته «حمام الدم». وتحدثت الوثائق عن بعض تفاصيل «الحرب الخفية بين الولاياتالمتحدة وإيران وكيفية لجوء طهران الى تسليح «كتائب الموت» وعن تورط رئيس الوزراء العراقي المنتهية ولايته نوري المالكي في ادارة فرق القتل والتعذيب. وقال اسانج ان الوثائق قدمت مادة تكفي لإقامة 40 دعوى قضائية لجرائم قتل غير مشروع. وأكدت وثيقة ان الإيرانيين خططوا لضرب المنطقة الخضراء في بغداد التي تضم المباني الحكومية العراقية الرئيسية والسفارات الغربية، بواسطة صواريخ وسيارات مدرعة ملغمة بأسلحة كيماوية. وبثت قناة «الجزيرة»، وحدها في العالم العربي ليل الجمعة، اهم ما جاء في اكثر من 400 الف وثيقة عسكرية كشفها الموقع وغطت الفترة بين بداية العام 2004 ونهاية العام 2009. وأبرز ما فيها «التستر الأميركي على اعمال التعذيب» التي تعرض لها سجناء عراقيون على ايدي قوات الشرطة والجيش العراقيين على رغم ان الأميركيين كانوا على علم بأعمال التعذيب هذه لكنهم امروا الجنود بعدم التدخل». وكشفت الوثائق ان «مئات المدنيين قتلوا على حواجز تسيطر عليها القوات الأميركية» على رغم ان التصريحات الرسمية الأميركية تنفي ذلك. ونقلت «الجزيرة» عن الوثائق ان «عدد القتلى المدنيين في العراق اكثر بكثير مما هو معلن». وقالت انها تشير ايضاً الى «تورط» المالكي «في ادارة فرق للقتل والتعذيب». وصورت الوثائق «وجهاً خفياً للمالكي وهو يقود فرقاً عسكرية تنفذ أوامره في الاغتيالات والاعتقالات وتحدثت عن «دور ايراني سري في تمويل وتسليح الميليشيات الشيعية كما سقط عدد كبير من العراقيين وغيرهم ضحايا للشركة الأمنية الأميركية الخاصة «بلاكووتر». وكان متحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية حذر الجمعة، قبل نشر الوثائق، من ان الوثائق العسكرية قد تشكل تهديداً للقوات الأميركية والعراقيين المتعاونين معها. وقال المتحدث باسم البنتاغون دايف لابان ان وزارته تعرفت على الوثائق «هي معلومات اولية جمعتها وحدات عسكرية» ولا تتضمن «تحليلاً استراتيجياً ولا معلومات رفيعة المستوى». وأضاف انها تتحدث عن معاملة المعتقلين، وعن مناقشات بين مسؤولين اميركيين وشخصيات سياسية عراقية، وتفجير ألغام يدوية الصنع وعمليات على «المستوى التكتيكي». ولم يكشف «ويكيليكس» عن مصدر الوثائق التي نشرها الا ان شكوكاً حامت حول برادلي مانينغ المحلل في شؤون الاستخبارات العسكرية الأميركية الموضوع رهن الاعتقال العسكري. وكان مانينغ اعتقل في ايار (مايو) بعد نشر ويكيليكس تسجيلاً مصوراً عن هجوم شنته مروحية عسكرية اميركية من طراز اباتشي وأدى الى مقتل مدنيين، ودين في حينها بنقل معلومات دفاعية الى مصدر غير مرخص. وكشفت الوثائق ان عدد القتلى في العراق بلغ 109 آلاف منذ الغزو الأميركي عام 2003 وحتى نهاية 2009 وأن «الملفات السرية تكشف أن القوات الأميركية كانت تحتفظ بتوثيق للقتلى والجرحى العراقيين، على رغم إنكارها كل ذلك علانية». وتم الكشف عن سقوط 285 الف ضحية بينهم القتلى ال109 آلاف 63 في المئة منهم من المدنيين. وكانت آخر الأرقام التي كشفها الجيش الأميركي في نهاية تموز(يوليو) 2010، افادت ان نحو 77 الف عراقي قتلوا بين كانون الثاني 2004 وآب (اغسطس) 2008، وهي الفترة الأكثر دموية خلال سبع سنوات من الحرب. ويثير تقدير عدد الضحايا العراقيين منذ الاجتياح الذي قادته الولاياتالمتحدة في آذار 2003 جدلاً، كما يختلف بشكل لافت تبعاً للمصادر، اذ يراوح بين اقل من 100 الف ومئات آلاف الضحايا. وأكدت دراسة مثيرة للجدل نشرتها مجلة «ذي لانسيت» البريطانية العام 2006 ان الحرب اسفرت عن مقتل 655 الف عراقي، وهو رقم تخطى سائر بقية التقديرات. وأوضح الموقع، ان ما جرى الإفراج عنه هو «اكبر عملية نشر لوثائق عسكرية سرية في التاريخ». وأورد في بيان ان الوثائق توضح «عدداً كبيراً من جرائم الحرب التي تبدو واضحة من قبل القوات الأميركية مثل القتل العشوائي لأشخاص كانوا يحاولون الاستسلام». وتطرق الى تصرف الجنود الأميركيين الذين «فجروا ابنية بكاملها لأن قناصاً يوجد على سطحها». وكشف عن «اكثر من 300 حالة تعذيب وأعمال عنف ارتكبتها قوات التحالف بحق الأسرى». وأحصى اكثر من الف عملية قتل من قبل القوات العراقية. واطلعت وكالة «فرانس برس» على قسم من الوثائق في لندن قبل نشرها عبر الإنترنت. وقال الموقع ان قسماً كبيراً من الوثائق نشر من دون اسماء لأنها تشكل خطراً على بعض الأشخاص. وأن «نيويورك تايمز» و»الغارديان» و»دير شبيغل» شاركت «الجزيرة» القطرية في كشف محتوى الوثائق. وتحدثت «الغارديان» عن ان «السلطات الأميركية لم تحقق في مئات حالات العنف والتعذيب والاغتصاب وحتى عمليات القتل التي ارتكبها شرطيون وعسكريون عراقيون». ودانت منظمة العفو الدولية ما تم الكشف عنه في الوثائق وتساءلت عما اذا كانت السلطات الأميركية خرقت القانون الدولي بتسليم معتقلين للقوات العراقية المعروفة بارتكابها انتهاكات»على نطاق مروع بشكل حقيقي». وقال مالكولم سمارت مدير منظمة العفو الدولية للشرق الأوسط وشمال افريقيا ان»هذه الوثائق تقدم على ما يبدو دليلاً آخر على ان السلطات الأميركية كانت على علم بهذا الانتهاك المنظم منذ سنوات». وعلى رغم ان المناقشات العامة الأميركية لم تعد تتناول الصراع العراقي خلال السنوات الأخيرة فإن الوثائق التي كشف عنها تهدد بإحياء ذكريات بعض من اصعب الأوقات في الحرب من بينها فضيحة اساءة معاملة سجناء ابو غريب. وخلصت وسائل الإعلام التي منحت امكانية الاطلاع بشكل مسبق على قاعدة البيانات الهائلة الى ان هذه الوثاق اثبتت ان القوات الأميركية تجاهلت بشكل فعلي تعذيب او انتهاك القوات العراقية لسجناء. وفي احدى الحالات اطلق شرطي عراقي النار على معتقل في ساقه. ثم جلد هذا المشتبه به بقضيب وخرطوم على ظهره ما ادى الى اصابته بكسر في الضلوع وتهتكات مضاعفة وكدمات. وقالت الغارديان ان»النتيجة لا تحقيقات اخرى»،وأردفت ان تقارير الاستخبارات العسكرية التي نشرها الموقع تذكر بشكل مفصل المخاوف الأميركية من قيام عملاء ايرانيين بتدريب وتسليح وتوجيه فرق اعدام في العراق. وأشارت الى تقرير بتاريخ 31 تشرين الأول (اكتوبر) 2005 اوضح ان فرق الحرس الثوري الإيراني «توجه عمليات اغتيال برعاية ايرانية في البصرة». وقال السفير الأميركي في العراق في آب (اغسطس) انه يعتقد ان جماعات تدعمها ايران مسؤولة عن ربع الضحايا الأميركيين في حرب العراق. وقال اسانج ويكيليكس لشبكة «سي ان ان» ان الوثائق تتحدث بالتفصيل عن «حمام الدم» الذي يمثله النزاع في العراق. ورداً على سؤال اكد ان الملفات صورة للوضع في العراق اكمل من الوثائق التي كشفت من قبل حول النزاع في افغانستان. وقال ان «هذه الوثائق تكشف ست سنوات من النزاع بتفاصيل من ميدان القوات المنتشرة وتقاريرها وما كانت تراه وتقوله وتفعله». وأكد اسانج ان «الأمر الجديد بالنسبة لنا هو ان هؤلاء الموتى الذين كانوا مجهولين لم يعودوا كذلك». وأضاف «اعتقد ان رسالة هذه الملفات اقوى وفهمها ربما اسهل من الوضع المعقد في افغانستان». وتكشف الوثائق تفاصيل حرب في الظل تجرى على ارض العراق بين القوات الأميركية وإيران خصوصاً استعمال طهران ميليشيات لقتل او خطف اميركيين. والمعلومات الاستخبارية حول دور ايران التي كشف عنها الموقع، نشرتها «نيويورك تايمز» و»الغارديان». والمعلومات حول قيام ايران بتدريب وتسليح ميليشيات شيعية ليست جديدة. ويتهم المسؤولون الأميركيون وبينهم قادة عسكريون منذ فترة طويلة طهران بمحاولة نشر العنف لتقويض نفوذ الولاياتالمتحدة وإضعاف حلفائها في بغداد. ومن الوثائق التي نشرت، تقرير ميداني يصف حادثاً وقع على الحدود العراقية - الإيرانية في السابع من ايلول(سبتمبر) 2006 عندما صوب جندي ايراني قاذفة صواريخ على وحدة اميركية كانت تقوم بدورية على الجانب العراقي مع قوات عراقية. وأطلق الجنود الأميركيون النار من رشاش على الجندي الإيراني وقتلوه، بحسب التقرير. وأضاف ان الوحدة الأميركية كانت موجودة في تلك المنطقة «لكشف طرق مهمة للتسلل» يسلكها الإيرانيون لنقل اسلحة الى العراق. وقالت الوثيقة ان الوحدة الأميركية كانت لديها توجيهات بالبقاء على بعد كيلومتر واحد من الحدود في كل الظروف بسبب «الطابع الحساس للمنطقة في ما يتصل بعقوبات الأممالمتحدة» المفروضة على ايران «ومخاوف ايران من ان تكون الولاياتالمتحدة تستعد لغزوها». وتصف الوثائق ايضاً الطريقة التي سلحت بها ايران ودربت كتائب موت تضم عراقيين لشن هجمات على قوات التحالف والمسؤولين الحكوميين. وأوضحت الصحف نقلاً عن الوثائق انه يشتبه بأن الحرس الثوري الإيراني لعب دوراً حاسماً في هذا المجال. وذكرت «نيويورك تايمز» ان الهجمات التي تدعمها ايران تواصلت بعد تولي باراك اوباما الرئاسة في الولاياتالمتحدة في كانون الثاني (يناير) 2009، موضحة انه ليس هناك اي اشارة الى ان لهجته التصالحية ادت الى تغيير في دعم طهران للميليشيات. وتحدثت الوثائق عن اعتقال متمرد واكتشاف مخابىء عدة لأسلحة ايرانية، تثبت نوايا طهران. وأضافت ان تقريرا آخر يتحدث عن خطط لاستخدام ايران صواريخ مزودة بعناصر «مسببة لشلل الأعصاب». ويتحدث تقرير يعود الى تشرين الثاني (نوفمبر) 2005 عن عثور حرس الحدود العراقي في البصرة على «معدات لإنتاج قنابل»، خصوصاً متفجرات تستخدم في صنع العبوات التي توضع على حافة الطريق، سلمتها ايران كما تؤكد الولاياتالمتحدة.