أجرى مساعد وزيرة الخارجية الأميركية جيفري فيلتمان محادثات مع مسؤولين في الرئاسة ووزارة الخارجية الفرنسيتين تناولت الوضع في لبنان والشرق الأوسط، برفقة المسؤولة عن ملف سورية ولبنان في الخارجية الأميركية نيكول شامبيين. وأجرت «الحياة» حواراً مع فيلتمان تحدث فيه عن زيارته لبنان والمملكة السعودية والمغرب ثم فرنسا، وأكد أنه لم يزر دمشق كما قيل في الصحف. وسألت «الحياة» فيلتمان عما يقوله للذين يتخوفون في لبنان من انفجار الوضع بسبب المحكمة الدولية والقرار الظني المرتقب، فقال: «أنا متأكد من أن اللبنانيين يفهمون أن مخاطر عدم الاستقرار ليس مردها الى المحكمة الدولية وإنما الى كل الذين يستمرون في الكلام عن احتمال عدم الاستقرار». وأضاف: «في الواقع إن غياب العدالة يؤدي الى عدم الاستقرار فالخيار بين عدم الاستقرار والمحكمة ليس خياراً صحيحاً، فهو خيار حزب الله وغيره، ويحاولون فرضه على اللبنانيين». وتابع أن «كل من هم منا أصدقاء للبنان في العالم والمنطقة يرفضون هذا الخيار المصطنع وغير الواقعي، وما نحاول القيام به هو التشاور مع أصدقائنا وحلفائنا حول سبل تعزيز دعم السيادة اللبنانية والاستقلال». ومضى يقول: «تابعت جلسة مجلس الأمن الاثنين الماضي وكان هناك عدد من التصريحات المؤيدة للبنان وتصريح للأمين العام حول المحكمة الدولية»، وأن «الرسالة التي تشرفت بحملها من الرئيس الأميركي باراك أوباما الى نظيره اللبناني ميشال سليمان نصّت على تأكيد الدعم الذي نقدمه والتزامنا به». وذكّر باتصال وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون بالرئيس ميشال سليمان أول من أمس «لتتحدث عن ذلك»، ونحن نسعى لإيجاد سبل لدعم السيادة اللبنانية، ونتمنى أن يسعى كل الأطراف الى ذلك لأن محاولة زعزعة استقرار لبنان من الداخل ليست بالتأكيد الطريقة لحماية الاستقرار والسيادة». وقال فيلتمان «لسوء الحظ هناك قوى داخل لبنان تحاول زعزعة استقرار البلد والأساس هو منع اندلاع أي أعمال عنف وإظهار دعمنا للجيش والمؤسسات الوطنية وجمع كل أصدقاء لبنان الذين بإمكانهم توجيه الرسائل المناسبة والمساعدة للحؤول دون أي قتال». وعما إذا كان كلامه هذا يعني عقد مؤتمر لأصدقاء لبنان، أجاب فيلتمان بأنه لا يتكلم في الوقت الحاضر عن أي مسار محدد «بل عن تنسيق مكثف في شكل كبير بين الولاياتالمتحدة وعدد من الدول، ولقد لاحظتِ زياراتي المنطقة فهي مثال على التنسيق الذي نقوم به». وقال: «نحن نعترف بالمخاطر وعلينا أن نلفت انتباه العالم الى مصدر هذه المخاطر، وهي صادرة عن عدد من الأطراف ونتمنى على الدول المرتبطة بهذه الأطراف وتقول إنها ملتزمة باستقرار لبنان، أن تلعب دوراً على صعيد خفض حدة التوترات». وبالنسبة الى سورية التي استعادت دورها في لبنان وكيفية تعامل الولاياتالمتحدة معها بالنسبة الى هذه القضية، أشار فيلتمان الى أن المحادثات التي أجرتها كلينتون مع وزير الخارجية السوري وليد المعلم، شكلت مناسبة لتوضح خلالها أن «دعمنا سيادة لبنان واستقلاله يبقى جزءاً من علاقتنا الثنائية مع سورية، التي تقول علناً إنها تؤيد استقرار لبنان». وأضاف أن واشنطن ترحب بالعلاقات الديبلوماسية بين البلدين لكنها «تأمل بالمزيد من الخطوات على صعيد دعم الاستقرار والسيادة، فقد بلغنا مثلاً أن سورية قررت إصدار مذكرات توقيف بحق 33 شخصية لبنانية، وفهمت من اللبنانيين أن هناك جدلاً حول هذا الموضوع». ومضى يقول: «بما أن هناك علاقات ديبلوماسية بين البلدين، يبدو منطقياً، إذا كانت لدى السوريين مخاوف أن يثيروها على المستوى الثنائي، بدلاً من الإقدام على خطوات أحادية من شأنها زيادة أجواء الحدة وزيادة التوتر في الجنوب، وفي رأينا فإننا كلنا نعمل مع اللبنانيين على خفض الحدة والتوترات». وعما إذا كان بالإمكان التوصل الى ذلك من دون التقارب مع سورية، خصوصاً أنها على تحالف قوي مع إيران، رأى فيلتمان أن «الحلف السوري - الإيراني ليس عليه أن يبقى عنصراً دائماً على ساحة الشرق الأوسط». وقال: «إذا أخذنا موضوع السلام الشامل، فإن سورية ولبنان وقّعا مبادرة السلام العربية التي أقرت في بيروت، وشاركت في مفاوضات مباشرة وغير مباشرة مع إسرائيل، ولبنان من جانبه جزء من مسار مدريد، أما إيران فهي دولة عضو في الأممالمتحدة تدعو الى إزالة عضو آخر في الأممالمتحدة وهذا الكلام لا تستخدمه سورية أو لبنان بل إنهما يريدان تحقيق أهداف إقليمية عبر التفاوض والمسار السلمي». ولفت الى أنه لا يقلل من أهمية الحلف السوري - الإيراني، «لكن، هناك دولتان تسعى كل منهما الى تحقيق مصالحها، ولا أرى أن هذا الحلف يبقى جزءاً ثابتاً على الساحة في المنطقة، فسورية تفتخر بأنها دولة علمانية وهذا ليس حال إيران، وشهدنا منذ سنوات الخلاف السوري - الإيراني حول ما ينبغي أن يكون عليه مستقبل العراق». وعبّر فيلتمان عن اعتقاده، أن «إذا كانت هناك معاودة جادة لمسار السعي الى سلام متفاهم عليه، فإنها ستكون مناسبة لرؤية ما إذا كانت سورية يمكن أن تبرز كلاعب بنّاء على صعيد المنطقة». وحول سبب عدم زيارته سورية أثناء وجوده في المنطقة، قال فيلتمان إنه كانت لديه «مهمة محددة في لبنان وهي المشاركة مع السفيرة الأميركية الجديدة مورا كونيللي في تسليم الرئيس سليمان رسالة من الرئيس أوباما فلم تكن جولة شاملة وإنما محددة لحمل هذه الرسالة ثم زيارة السعودية والمغرب». وبالنسبة الى سبب اختياره زيارة النائب وليد جنبلاط، قال فيلتمان إنه عندما كان يتولى منصب سفير لبلاده في لبنان «كانت تربطني به علاقة صداقة شخصية، وزيارتي له تندرج في إطار هذه الصداقة، إضافة الى أننا فهمنا من تصريحاته أن لديه مخاوف كبرى من زعزعة استقرار البلد، وبالنسبة الى الدروز وكل لبنان في حال اندلاع القتال بسبب المحكمة». وزاد أنه كان من المهم «الاستماع الى رأيه وتقويمه وأن يسمع ما لدينا حول محاولتنا استخدام جميع الوسائل لخفض الحدة والتوتر وبناء مؤسسات الدولة من أجل تعزيز الاستقرار، وأننا نبذل كل ما بوسعنا لكي لا يؤدي الدعم للاستقلال والسيادة الى نتيجة معاكسة». وعن احتمال اتهام القرار الظني عناصرَ في «حزب الله» أو في سورية، وخطورة ذلك على لبنان، أكد فيلتمان أن «لا بديل من المحكمة، فهي قائمة ولا يمكن أن يكون الخيار بين زعزعة الاستقرار والعدالة ونحن نتحدث مع المسؤولين في لبنان وأصدقاء لبنان في الخارج لنزع التوتر». وعن احتمال توقف الحكومة اللبنانية عن تمويل المحكمة، أجاب: «طبعاً نتمنى أن يستمر لبنان بالتمويل ولكن هناك وسائل أخرى لتمويل المحكمة، وهذا ما لحظ عند إنشاء المحكمة لتدارك اي مسعى من أي حكومة لبنانية لوقف التمويل، فعندها لدى مجلس الأمن طرق أخرى للحصول على تمويل وهذه مسألة لا تقلقنا». وحول إمكانية دفع الحريري للتخلي عن رئاسة الحكومة وما يمكن أن ينجم عن ذلك، رأى أن «هذا السؤال افتراضي... والهدف هو منع أي اقتتال واي حدث من هذا القبيل». وعما إذا كانت فرنسا على الخط نفسه، قال فيلتمان إن «مشاوراتنا مع فرنسا وثيقة وإيجابية في القصر الرئاسي ووزارة الخارجية». وفي ما يتعلق بالعراق وسبب دعم واشنطن نوري المالكي لتولي رئاسة الحكومة، أجاب فيلتمان: «هذه أسطورة فنحن حريصون على تشكيل حكومة اختارها العراقيون وقالوا إنها ضرورية لهم، وتتمثل فيها الغالبية والأقلية». وذكر أن «الشيعة والسنّة والأكراد يريدون ممثلين عنهم في الحكومة لذا لا بد من محاولة تشكيل حكومة شمولية، وليس لدينا أي مرشح لأي منصب». وتابع: «كل ما نقوله هو أننا لا نريد حكومة تحمل إحدى الطوائف الأساسية على الاعتبار أنها مستبعدة». وعما إذا كان هناك اتفاق «تحت الطاولة» بين إيران والإدارة الأميركية في شأن تسليم المالكي رئاسة الحكومة، قال فيلتمان: «على ضوء ما هو معروف عن حالة العلاقة بين طهرانوواشنطن، فهل يُصدَّق أن في إمكاننا الإقدام على اتفاق تحت الطاولة؟ أتمنى أن يكون لدى قرائك مقدار من التعقل ليدركوا أن واشنطن لا تقدم على اتفاق تحت الطاولة مع طهران». وأضاف أن ما يجرى العمل عليه هو «إقناع الإيرانيين بالجلوس معنا، منذ السنة الماضية وهم لم يوافقوا على ذلك بعد... نحن مستعدون للعمل مع رئيس حكومة عراقي مقبل يتولى حكومة شمولية تتمثل فيها الطوائف العراقية الثلاث». وحول مسيرة السلام في الشرق الأوسط، قال فيلتمان: «نبذل الجهد الذي التزم به الرئيس أوباما، وهذا ليس سهلاً، كما أنه ليس مفاجئاً أن يشهد المسار فترات صعود ونزول وما يمكن قوله هو إن واشنطن مستمرة في الدفع وصولاً الى مفاوضات لها صدقية وحيوية لأن ما هو قائم الآن هو عدم ثقة عميق وخيبة أمل لدى الطرفين». وعما إذا كانت زيارة لبنان على صلة بزيارة الرئيس الإيراني أحمدي نجاد، أوضح فيلتمان أن «هذه زيارة ثنائية يقوم بها رئيس بلد الى بلد آخر، ومن جهة أخرى وبالنظر الى محاولتنا استيعاب سوء التصرف الإيراني في المنطقة، فإن أحمدي نجاد تحدث عن دعم الدولة اللبنانية ورئيس الجمهورية والوحدة اللبنانية، لكنه في كلامه في بنت جبيل دعا الى الانقسام والطائفية ولم يكن كلاماً للوحدة التي تحدث عنها». وتابع فيلتمان: «لننظر الى انتخابات الرئاسة الإيرانية، وما حصل قبلها وبعدها... كان هناك تزوير وقمع بحق الإعلام والمجتمع المدني، بخلاف لبنان حيث الإعلام حر والمجتمع المدني حيوي، وأتمنى أن يكون أحمدي نجاد حمل معه من لبنان بعض الدروس لإيران».