«ميرال»، فيلم يطمح إلى عرض تاريخ القضية الفلسطينية، من ساعة إعلان دولة «إسرائيل» وحتى العصر الحالي، بعيداً من السياسة أو بالأحرى بملامستها عن بعد، معتمداً على تمرير ما عصف بفلسطين من حروب عبر قصص نساء فلسطينيات عاصرنها. فيلم المخرج جوليان شنابل الذي عرض في المسابقة الرسمية في البندقية، مأخوذ عن قصة «طريق ميرال المعبد بالزهور» (ترجمة العنوان عن الإيطالية) لرولا جبريل وهي إذاعية فلسطينية تعمل وتعيش في إيطاليا. يسرد الشريط حياة المربية «هند الحسيني» وسعيها عبر التربية والتعليم إلى خلق أجيال من النساء متعلمات واعيات، سيكنّ يوماً، من وجهة نظرها، عماد المجتمع الفلسطيني وربما وسيلته «الأمثل» للخروج من الأوضاع المأزومة سياسياً واجتماعياً. ينطلق «ميرال»، ذو الإنتاج المشترك الفرنسي والبريطاني والإسرائيلي، من وفاة هند (هيام عباس) راجعاً إلى الوراء ليستعرض تاريخ هذه المرأة ذات المنشأ البرجوازي التي وقعت يوماً على أطفال مجمّعين في زاوية أحد شوارع القدس القديمة بعد هربهم من مذابح الصهاينة التي قضت على آبائهم. تصطحبهم إلى دارها الكبيرة وتعزم على الاهتمام بهم بجهدها ومالها ثم تقرر تأسيس «دار الطفل» للعناية باليتامى. يعبر في الشريط إعلان دولة إسرائيل وحرب 48، فنكسة 67 إلى أن يصل إلى الانتفاضة واتفاقات أوسلو، عبر مسيرة هند بداية ثم بالانتقال إلى قصص ناديا (ياسمينا المصري) التي هربت من زنى المحارم، ففاطمة الممرضة «الإرهابية» التي تساعد على هرب الأسرى الفلسطينيين من المشفى، تلجأ فاطمة، بعد اكتشاف أمرها وطردها، إلى العمل «الثوري». تَمَثّل نضال الشابة في وضع القنابل في الأماكن العامة. واختزل الفيلم قضية اللجوء إلى قتل المدنيين بعبارة مستهلكة اعتبرها كافية ووافية، وجاء رد فاطمة، وهي تبرر لنادية فعلتها، غير مفاجئ بل منتظر «الاحتلال يقتل الأرواح، لقد نظرت إليهم (للمدنيين) كجنود...». منشأ غامض ونصل إلى ميرال (فريدا بينتو، الهندية الأصول) ذات المنشأ «الغامض»، إذ جعلنا الفيلم نعتقد أن أباها هو إمام الجامع (الكسندر صدّيق) والجنائني في «دار الطفل»، ليوحي في النهاية أنها ربما كانت من أب يهودي. فنادية، أمها، كانت لا تكف عن خيانة الزوج الفلسطيني المتسامح دائماً وأبداً معها في موقف لم يسع السيناريو لتبريره. وحين تنتحر نادية تختار الارتماء في خضم البحر، في إحالة، مستهلكة هي الأخرى، لغسل خطاياها. تقوم «هند» برعاية الطفلة ميرال في مدرستها حتى تغدو شابة جميلة تقع في غرام مناضل فلسطيني متقلب، ضد المنظمة ثم معها ومع الاتفاقات والحوار... مواقف المناضل وتحولاته تتابعت في سرد سريع ومشوش وأبعد ما يمكن عن الوضوح. هذه الشابة التي قد تكون خليطاً، من أب مجهول قد يكون يهودياً ومن أم فلسطينية خائنة، تحمل الهوية الإسرائيلية وهي ممزقة بين الدفاع عن القضية وبين تعليمها، بين نفورها من التواصل مع الإسرائيليين وبين اكتشافها «طيبة» بعضهم. وهكذا تقوم بمراجعة حساباتها في نضالها وفي علاقاتها مع هذا الجار. معالجة تمت في أسلوب مطروق هو الآخر باهت وممل. وهكذا أوقفت ميرال الكفاح ورأت أن مقولة «كلنا في الهوا سوا» تصلح على الشابة الإسرائيلية المغرمة بقريبها الفلسطيني لأنها تعاني هي الأخرى من نفور والدها من كل ما يمت للفلسطينيين. في السيناريو الذي كتبته جبريل أيضاً، تصادفنا شخصيات عقلانية، «متفهمة للغضب» إزاء السلب والعدوان، ولكن ناصحة «بالتحكم به»، مسالمة وتسير خطاها باتجاه تفضيل العمل اليومي الدؤوب كأنجع وسيلة للخلاص. من الشخصية الرئيسية «هند» التي كانت ترفض أي «نشاط (سياسي) يضع مدرستها في خطر»، إلى الأب الذي منع ميرال بحزم من مصاحبة الثوريين، مروراً بميرال نفسها التي تترك كل شيء وتذهب في منحة دراسية إلى إيطاليا. جاء عرض الوضع الفلسطيني العام بأسلوب شديد التبسيط، فيما بدت طروحات الفيلم وطريقة معالجتها في صورة نمطية ونسخة مكررة لما يقال. وظلت الشخصيات غريبة وبعيدة ومسطحة، حتى شخصية البطلة هند التي لم تقنعنا بقضيتها. ولعل كثرة الشخصيات والمواضيع أثقلت العمل ومنعته من التوغل حقاً في واحدة منها. ما أساء للعمل أيضاً وهذا بالنسبة لمشاهد عربي، ارتباك الفيلم لغوياً. فالإنكليزية كانت لغته الرئيسة على رغم أن معظم الشخصيات التي يجسدها عربية. وبدا على سبيل المثال التخاطب بين مديرة المدرسة وإمام الجامع بهذه اللغة مفتعلاً ما ترك أثراً سيئاً على تقبل الأحداث والدخول في عوالم الشخصيات. وجاءت بعض المشاهد غير مبررة مثل حديث الأمير الخليجي مع هند بالإنكليزية ثم توجهه وفي المشهد نفسه نحو أمها بالعربية. ربما أراد المخرج تطعيم فيلمه ببعض العبارات العربية ليوحي بالأجواء العربية لفيلمه ولكن تلك، بقيت بعيدة المنال.