عندما زار باراك أوباما العراق واسرائيل والضفة الغربية أثناء حملته الانتخابية، طلب من رئيس وزراء اسرائيل السابق ايهود اولمرت تأمين مروحية للقيام بجولة فوق المناطق المتنازع عليها. واختار أولمرت لمرافقة أوباما وزير الدفاع ايهود باراك ووزيرة الخارجية تسيبي ليفني، وذلك بهدف اطلاعه على المخاطر الجغرافية التي ستنشأ عن قيام دولتين. ولما حلقت المروحية فوق «نتانيا»، أومأ باراك الى الجزء الفاصل بين هذه البلدة وحدود الضفة الغربية، مذكراً الضيف الأميركي بأن المسافة بينهما لا تبعد أكثر من تسعة أميال. وأكمل الوزير باراك تعليقه على هذه الملاحظة بالقول: نأمل في حال فوزك برئاسة الجمهورية ألا تضغط على اسرائيل وتجبرها على التنازل عن ضمانات أمنها ووجودها إرضاء للفلسطينيين والعرب، ان «خصر» بلادنا في بعض المواقع أقصر من الشارع الرئيسي في لوس انجليس. في أول لقاء تم يوم الاثنين الماضي بين الرئيس أوباما ورئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو، تكرر هذا المشهد وسط جو مشحون بالتوتر الصامت والتناقض السافر بين موقفين متعارضين. الرئيس الأميركي شدد على الحل القاضي بقيام دولتين مستقلتين، وعلى ضرورة وقف الاستيطان والتزام اسرائيل الاتفاقات السابقة مثل «خريطة الطريق» ونتائج مؤتمر أنابوليس. مقابل هذا الطرح المبدئي، امتنع زعيم «ليكود» عن تبني حل الدولتين، مشترطاً اعتراف الفلسطينيين باسرائيل دولة لليهود، كمدخل لمفاوضات مباشرة قبل التوقيع على اتفاق سلام. اعتمد نتانياهو في حججه على الدراسة التي قدمتها تسيبي ليفني عندما تولت منصب وزيرة الاستيعاب والهجرة، وشاركت في مفاوضات «خريطة الطريق» في نيسان (ابريل) 2003. وقد أصرت حينها على ادخال تعديل يتحدث عن حق الفلسطينيين في العودة الى دولتهم الفلسطينية، وليس الى دولة اسرائيل التي هي دولة الشعب اليهودي. وكانت تهدف من وراء هذا التعديل الى تجاوز قرار «حق العودة والتعويض» المنصوص عليه في القرار 181 الصادر عن الأممالمتحدة سنة 1947. في مرحلة لاحقة حاولت ليفني كوزيرة للخارجية، إدخال عبارة «دولة الشعب اليهودي» في الصيغة النهائية لمؤتمر أنابوليس. واعترض على هذا التعديل الهادف الرئيس محمود عباس ورئيس طاقم المفاوضين صائب عريقات، خصوصاً ان ليفني استندت في منطقها على الحقوق المستمدة من اعلان استقلال اسرائيل الذي ينص على اقامة دولة لليهود. وركزت مناقشاتها على الحقوق الطبيعية والتاريخية التي رافقت صدور قرار التقسيم (1947) عن الجمعية العامة. واعترض عريقات على هذا الاخراج بحجة ان الاعلان الخاص بدولة اسرائيل لا يلغي قرار الأممالمتحدة (181)... وإلا لكان من السهل إلغاء كل قرارات المنظمة الدولية، وفي مقدمها قرار اعلان قيام دولة اسرائيل. الثابت ان المبعوث الأميركي جورج ميتشل كان قد حمل الى نتانياهو سلسلة رسائل حازمة، تعبر عن امتعاض أوباما من مواقف الحكومة الجديدة، ويبدو ان بعض هذه الرسائل وصل مع الرئيس شمعون بيريز، الذي أخبر الرئيس الأميركي ان رئيس الوزراء يصر على حل مشكلة اللاجئين خارج اسرائيل. وهذا هو المعنى الخفي للمطالبة باعتراف فلسطيني ب «دولة يهودية» قبل الموافقة على مبدأ الدولتين. كذلك وصلت الى اسرائيل معلومات تتعلق بلقاء متوقع بين وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون ووزير خارجية ايران منوشهر متقي، وذلك أثناء انعقاد مؤتمر في ايطاليا الشهر المقبل (حزيران/ يونيو). وعلم ان جميع وزراء خارجية الدول المعنية، بمستقبل افغانستان سيحضرون هذا المؤتمر. لهذا طلب الرئيس أوباما من نتانياهو التريث في شأن البرنامج النووي الايراني. وابلغه ان مبعوثه دينس روس، الموكل بمعالجة الملف الايراني، قد أعطى طهران الخريف المقبل موعداً نهائياً لحسم موقفها. أثناء زيارة وزير خارجية اسرائيل افيغدور ليبرمان لألمانيا، أعرب أمام نظيره وولتر شتاينماير، عن قلقه من حصول ايران على السلاح النووي خلال مدة لا تزيد على السنة. وطلب منه الاستعجال في كشف الحقيقة لأن ألمانيا ستقود مجموعة الدول الست إلى المفاوضات مع طهران. وقال ليبرمان إن الإيرانيين يختلقون الأعذار بهدف تأجيل الحوار بحجة الانتخابات التي ستجري في 12 حزيران المقبل، أو بحجة حلول شهر رمضان المبارك في شهر آب (اغسطس). وفي تصوره أن هذه الأعذار مبرمجة مسبقاً لشراء عنصر الزمن. وزير خارجية المانيا لمس في لهجة ليبرمان تهديداً لاختصار مهلة الانذار، خصوصاً بعدما أعلن وزير الدفاع ايهود باراك عن مناورات عسكرية استعداداً لتوجيه غارات ضد المفاعل النووي الإيراني. وبناء على تحذير المانيا، زار رئيس وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي أي) إسرائيل، واجتمع بوزير الدفاع ايهود باراك ليفهم منه طبيعة الأهداف المرتبطة بالمناورات. وتقول صحيفة «هآرتس» إن باراك ربط موضوع المناورات باحتمال فشل المفاوضات مع طهران، وان إسرائيل تستعد لتوجيه ضربة عسكرية لإيران، لا فرق أكان ذلك بموافقة الإدارة الأميركية أم من دون موافقتها. وعليه يرى باراك أن مسألة الحسم تتعلق بوجود إسرائيل كدولة تخضع لتهديد متواصل من قبل الرئيس محمود أحمدي نجاد وحلفائه في المنطقة مثل «حماس» و «حزب الله». وتوقع في حال حصول إيران على القنبلة النووية، أن تبادر كل الدول العربية إلى تطوير برامج نووية لموازنة الأخطار المحدقة بها. في أحاديثه إلى الصحف الأميركية تباهى نتانياهو بأن خطابه أمام الكونغرس الأميركي سنة 1996 حمل تحذيراً سافراً من خطر البرنامج النووي الإيراني. وقال إن هذا السلاح يسمح لإيران بالسيطرة على سبعين في المئة من مصادر الطاقة في العالم. كما يضع في أيدي الملالي قوة التهديد لشعوب الخليج، تماماً مثلما يهدد إسرائيل بواسطة الصواريخ التي زرعتها في لبنان وغزة. أما بشأن «الانسحاب من الجولان» فقد ربط نتانياهو في حينه، هذا القرار باحتمال انشاء إيران قاعدة متقدمة في سورية بعد حيازتها على السلاح النووي. وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون ترى في تهويل نتانياهو مناورة سياسية مكشوفة ترمي إلى صرف الانتباه عن الجمود السياسي حيال الفلسطينيين. وبما أن هذا الجمود كان السبب في تفجير الانتفاضة الأولى والثانية، وفي اندلاع حربي لبنان وغزة، فإن المماطلة في موضوع المسيرة السلمية، ستؤدي إلى حرب لا مفر منها. الاقتراح الذي قدمه نتانياهو بضرورة تعيين طاقم عمل تحت إمرة جورج ميتشل من أجل ايجاد حل مرضٍ للفريقين... هذا الاقتراح يجسد الحل القديم الذي لجأت إليه إسرائيل من أجل نسف الحل الأميركي. وقد ساعدها هذا الحل خلال 15 سنة، على اقامة أكثر من مئة مستوطنة جديدة وتكثيف السكان في المستوطنات بحيث ارتفع عددهم من 110 آلاف إلى 300 ألف، من دون شرق القدس. وترى منافسته ليفني أن نتايناهو ماضٍ في تهويد القدس، وأنه ليس بحاجة لأكثر من سنتين لإنجاز مشروع القدس الكبرى. وهي تعتبره شخصاً ابتزازياً من الدرجة الأولى. لذلك فهي تنصح بعدم الاهتمام بما قاله أمام البيت الأبيض، بل بما يفعله بعد عودته إلى إسرائيل. وقد استندت في تحليل شخصيته إلى ماضيه عقب انتخابه سنة 1996. وعلى رغم علاقاته المتوترة مع الرئيس كلينتون، فقد وقعّ معه ومع ياسر عرفات اتفاق الخليل و «مذكرة واي». وهو أمر أحجم أسلافه عن الإقدام عليه. المهم في الأمر، أن الرئيس أوباما كان ينتظر زيارة الرئيس حسني مبارك يوم الأحد المقبل. ولكنه فوجئ بقرار إرجائها بسبب وفاة حفيده، علماً بأن هذه الزيارة قد تأخرت ست سنوات خلال عهد جورج بوش. وقد شهدت هذه المرحلة خلافاً صامتاً بين واشنطنوالقاهرة على خلفية انتقاد مبارك لاحتلال العراق، ومنح ممثلي طائفة الأقباط في المدن الأميركية فرصة انتقاد النظام باسم حقوق الإنسان. ونتج عن سوء التفاهم هذا تقليص حجم المساعدات الاقتصادية المقدمة لمصر، مئتي مليون دولار. عقب إعلان فوز بارك أوباما، اتصل بالرئيس المصري ودعاه لزيارة واشنطن على أمل فتح صفحة جديدة في العلاقات. وعلى الفور أرسل نجله ووريث عهده جمال إلى واشنطن حيث اجتمع بكبار النافذين، واطلع منهم على نهج السياسة الخارجية. وهو نهج يحتاج إلى توضيح لأن مصر - كما قال الوزير أحمد أبو الغيط - لا تعارض الانفتاح الأميركي على إيران في القضايا الدولية... ولكنها تعارض السماح لدولة «أجنبية» مثل إيران أن تتدخل في شؤون السياسة العربية وتملي ارادتها على عدد من الأطراف. بعض المعلقين في القاهرة يرى في عملية تأجيل الزيارة، فرصة لتحاشي الإحراج من زيارة خالية من الايجابيات. ذلك ان القاهرة لم تنجح في بلورة صيغة جديدة للمبادرة العربية، خصوصاً في ظل الموقف السوري الرافض لأي تعديل. كما انها فشلت في توحيد الموقف الفلسطيني المشرذم، الأمر الذي باعد الهوة بين «حماس» والسلطة الفلسطينية. وتدعي اسرائيل انها باشرت في تسييج حدودها مع مصر بأسلاك مكهربة (40 كلم) منعاً لتسلل المخربين والمهربين الذين يتدفقون باتجاهها عبر المخافر والخنادق. في الرابع من حزيران (يونيو) المقبل، من المتوقع ان يلقي الرئيس الاميركي أوباما خطاباً تاريخياً يتوجه به الى المسلمين والعرب. وتقول وزيرة الخارجية كلينتون ان الخطاب يمثل امتداداً للنداء التصالحي مع العالم الاسلامي، الذي صدر عن زيارته لتركيا. وسينتقل من القاهرة الى المانيا حيث يزور معتقل «بوخنفيلد» النازي، الذي يحرص الألمان على إخفاء معالمه المرعبة. وربما أراد من وراء هذا الاختيار التعويض عن زيارة اسرائيل، بإرضاء مقاتلي جبهة النورماندي الذين ينتظرونه للمشاركة في إحياء الذكرى ال65 لعملية الإنزال. قبل ان يتوجه أوباما الى المنطقة، دعت نائبة وزيرة خارجيته، اسرائيل للانضمام الى الميثاق ضد انتشار السلاح النووي. وجاء هذا التصريح ليكمل الحملة التي بدأها الرئيس الأميركي الجديد، تحت شعار «عالم من دون سلاح نووي». ويستخلص من هذا الشعار ان واشنطن مقبلة على فتح أبواب الحوار وإقفال أبواب التهديد باستخدام القوة. ويقال في اسرائيل ان القيادة العسكرية تبلغت قرار التخلي عن مهاجمة ايران. بقي ان يفهم نتانياهو ما قاله له رام عمانوئيل، رئيس فريق البيت الأبيض، من ان قدرة الولاياتالمتحدة على الوقوف في وجه ايران منوطة بقدرة تحقيق تقدم اسرائيلي على الجبهة الفلسطينية! * كاتب وصحافي لبناني