حين يُسمع اسم مها بيرقدار الخال، فإنّ اللوحات المعبّرة مع خطوطها وألوانها تسارع لتمرّ أمام الأعيُن، ثمّ لا تلبث كلماتها الشاعرية أن تتسلل إلى الأذهان من بين أسطر دواوينها، «فلوحاتها قصائد مرسومة، وقصائدها لوحات ملوّنة». ولكن ما الذي يمكن أن يدفع شاعرة ورسّامة الى دخول عالم كتابة السيناريو؟ تجيب: «إنّ الكاتب يمكن أن يكتب كل شيء، فأنا عملتُ في الصحافة وفي إعداد البرامج الإذاعية وتقديمها، وكنت أقضي معظم أوقاتي في الكتابة، وكان كُثُر من أصدقائي ومعارفي يشجّعونني لكتابة السيناريوات، ولكنني كنت أتهرّب من ذلك الموضوع لأنني لم أجد ما يحمسني». وتضيف: «حين أسّس ولداي يوسف وورد شركة الإنتاج المتواضعة «خيال» كتبتُ لهما مسلسل «الطائر المكسور» وقدمته هديةً لهما على أن يُصوّر حين تسمح الظروف». هذا السيناريو كُتِب منذ سنتين، وبقي الطائر قابعاً في قفصه طيلة سنةٍ كاملة إلى أن سُئل يوسف وورد عن أعمالهما المستقبلية فأعلنا عن وجود نصٍّ جاهز من كتابة والدتهما، عندها تحمّس صاحب شركة «نيو لوك للإنتاج» بودي معلولي وقرر أن يلتقي مها الخال ليسمع منها موضوع المسلسل، ولم يتطلّب الأمر أكثر من بضع جملٍ حتّى صدر القرار: سوف يتم تصويره! وبالفعل صوّر المسلسل، وبدأ عرضه على شاشة «ال بي سي» كل احد واثنين، قبل ان تتغير البرمجة مرتين في فترة قصيرة. فبعدما أضيف الى موعدي العرض يومان آخران هما السبت والأربعاء، ما لبثت المحطة أن ألغت البرامج الكوميدية واستبدلتها ب «الطائر المكسور» لتتحوّل الحلقة إلى نصف حلقة، ويتم عرضه يومياً. مها بيرقدار الخال، الإيجابية دائماً، تقول إنّ للضرورة أحكاماً. ولكن، ألَم تنزعج من أن عملها الأول صار أشبه ب «كبش محرقة»؟ تجيب: «كنت أتمنّى لو أن عرض المسلسل تأجّل إلى ما بعد الانتخابات، ولكن على رغم أن ذلك قد يؤثّر سلباً فيه، فإنّ له حسنات أيضاً، إذ إنّ المشاهدين الذين تعلّقوا به سيفرحون بمشاهدته يومياً بدل الانتظار أسبوعاً كاملاً لمعرفة التطوّرات». حين يستطيع شخص أن يبني لنفسه صورة لا غبار عليها في عالمي الشعر والرسم، لا بد من أن يتردد حين يقرر الدخول في مجال جديد حيث يمكن أي خطوة ناقصة أن تؤثّر في كلّ ما بُنِي، هل ترددت مها بيرقدار الخال؟ تجيب بشاعريةٍ عفوية: «كتبت القصة بصدق تامٍ، وحين نكتب بصدقٍ لا نخاف ولا نتردد»، وتوضح قائلة: «كنت أعرف أنني أكتب ليوسف وورد، وأضفت إليهما شخصيات عدة استدعيتها من الواقع لأنّ المسلسل عبارة عن قصص جميلة من الحياة تروي أخبار الأشخاص الطيّبين والحسّاسين أمثال الفنّانين الذي لا يحظون بالفرصة المناسبة لإظهار مواهبهم فيضطرّون للسفر». وهنا لا بدّ من ملاحظة التجديد الذي أضافته الكاتبة إلى نمط السيناريو في المسلسلات اللبنانية حيث لا نجد أشراراً يحاولون النيل من الطيّبين، ولا نقع على عِقَدٍ وحلول. تعلّق بيرقدار على هذه الملاحظة قائلة: «أنا لا أدّعي أنني كاتبة سيناريو، لكنني كتبتُ بعفوية قصص حب من واقعنا، وليس من نسج الخيال، فالمرض موجود وكذلك السفر والحرمان والأسى والخوف والانهيارات والفرح...». حين يعتاد المشاهدون على نمط معيّن ثمّ يُقدَّم لهم نمط جديد قد يتفاجأون وقد لا يتقبّلونه، وهنا تستبق بيرقدار السؤال بسرعة بديهتها وتقول: «يجب على المشاهدين أن يعتادوا هذا النمط الجديد»، وتوضح انّها لم تسع لإرضاء الناس، «فأنا لا أركض خلف هدفٍ تجاري، احترمنا أنفسنا واحترمنا المشاهدين». ماذا أضافت الشاعرة والرسامة عند كتابتها تلك القصص الواقعية؟ «لقد أضفت لمسةً رومانسية نفتقدها في الكثير من الأعمال، وهذه اللمسة أصرّ عليها، كما أضفت لمسة الحلم في العلاقة، فالواقع واقع، صحيح، لكنّه سيبدو كأنّه صحراء قاحلة إنّ لم نضف إليه نفحةً من الحلم». وعن سؤال حول مدى انعكاس شخصيتها في المسلسل، تقول إنّها حاضرة في كل العمل من خلال روحها، وتنفي أن تكون شخصية الرسامة التي تلعبها ابنتها ورد هي شخصيتها الكاملة، «فهناك مليون رسّامة غيري». أمّا عن الانفجار الذي تعرّضت له الرسامة في المسلسل فتفصح عن كونه الحدث الوحيد الحقيقي الذي عكسته من شخصيتها الحقيقية على تلك الشخصية، «لقد أردت أن أضيف حدثاً يغيّر مجرى حياة تلك الصبية الجميلة المقبلة على الحياة باندفاع وحيوية، فكان هذا الحادث الذي غيّر نظرتها الى الأمور ومفهومها للحياة». فما الإحساس الذي ينتاب الكاتب حين يرى للمرّة الأولى شخصياته التي كتبها على الورق تحوّلت إلى أشخاص ينبضون بالحياة على الشاشة أمام ملايين المشاهدين؟ أمام هذا السؤال تبرق عينا مها الخال فتعبّران بصدقٍ عن أحاسيس كثيرة قبل أن تعبّر بالكلام قائلةً: «لا يمكنك تصوّر مدى روعة هذا الإحساس، حين ذهبتُ إلى غرفة المونتاج ورأيت بعض المشاهد دمعت عيناي وبكيت من شدّة الانفعال والتأثّر وقلت للممثلين وللفريق العامل: لقد أعطيتم الحياة لهذا الورق الصامت، لقد صرتم أنتم حياته ونبضه». وتصف الكاتبة تعاملها مع المخرج ميلاد أبي رعد بأنّه مثمرٌ وغنيّ، «لقد كنت محظوظة بلقائي به لأنّ رؤيته الإخراجية تناغمت تماماً مع رؤيتي ككاتبة فقدّمنا معاً منحوتة رائعة الجمال، ولم أكن أتوقّع أن يستطيع أحد سواه أن يقوم بهذا الإخراج الصادق والفنّي». هل يمكن الإعلان أنّ مها بيرقدار الخال قد دخلت مجال كتابة السيناريو في شكل رسمي؟ «لم لا»، تقول، «حين تخطر في بالي قصّة جميلة سأكتبها، ولكن لا يمكن القول إنّني لن أفعل أيّ أمرٍ من الآن فصاعداً سوى كتابة السيناريوات». حالياً هناك عملان جاهزان، الأوّل من بطولة امرأة وهي ورد، والثاني من بطولة رجل وهو يوسف. أمّا عن الكتابة ليوسف وورد فتقول والدتهما إنّها تؤمن بموهبتهما بعيداً من تأثير الرابط العائلي، فهما قادران على تجسيد أي دورٍ يوكل إليهما، وهذا أمر لا يمكن أحداً أن ينكره. وبالنسبة الى الثغرات التي لاحظتها في أدائهما فهي غير موجودة حتّى الآن لأنهما لم يتركا لها المجال، وكذلك لا ثغرات بارزة في العمل إن من جهة الإخراج أو من جهة السيناريو. فهل يمكن أن يتغيّر هذا الرأي من الآن حتّى انتهاء الحلقات الثلاثين، أو إنّه سيبقى ثابتاً ليصبح أمراً محسوماً؟