عاد لبنان بقوة الى دائرة الاهتمام العربي والدولي وهذا ما عكسته القمة السعودية - السورية بين خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز والرئيس بشار الأسد مساء امس في الرياض والتي واكبها عن كثب رئيس مجلس الوزراء اللبناني سعد الحريري الذي انتقل الى العاصمة السعودية مساء أول من امس. وعكسته ايضاً الزيارة المفاجئة لنائب مساعد وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط جيفري فيلتمان لبيروت في إطار جولة عربية تشمل ايضاً الرياض والقاهرة والرباط، واقتصرت محادثاته على رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان ورئيس «اللقاء النيابي الديموقراطي» وليد جنبلاط واتصال هاتفي برئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، فيما توقعت مصادر وزارية لبنانية عقد قمة بين الرئيسين اللبناني والسوري في دمشق في أي لحظة تسبق جلسة مجلس الوزراء بعد غد الأربعاء في القصر الجمهوري في بعبدا. وحظيت القمة السعودية - السورية باهتمام خاص من القيادات الرئيسة في «قوى 14 آذار» والمعارضة سابقاً باعتبارها محطة أساسية يمكن ان تضيء على ما سيكون عليه الوضع في لبنان في ظل استمرار الخلاف في شأن المطالعة التي أعدها وزير العدل ابراهيم نجار بخصوص ملف شهود الزور في جريمة اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري، والتي ستكون البند الوحيد على جدول أعمال مجلس الوزراء بعد غد الأربعاء. وفي هذا السياق، رأت مصادر وزارية في القمة محاولة لإعادة الأمور في لبنان الى مسارها الطبيعي وتحديداً الى ما كانت عليه بعد التفاهم السوري - السعودي في شأن دعم الجهود الرامية الى التهدئة في لبنان للحفاظ على الاستقرار العام فيه، اضافة الى مفاعيله التي أفرزتها القمة الثلاثية التي استضافتها بيروت في نهاية تموز (يوليو) الماضي. ورفضت المصادر استباق ما ستؤول إليه القمة، لكنها أملت بأن تعيد قنوات الاتصال بين الحريري والقيادة السورية «باعتبارها المدخل لتزخيم الحوار اللبناني - اللبناني للوصول الى مخرج يتعلق بملف شهود الزور الذي لا يزال عالقاً في مجلس الوزراء امام اللاقرار للحكومة الذي يترتب عليه إدارة النقاش بالاتجاه الذي يضمن عدم الوصول الى التصويت على إحالة الملف على المجلس العدلي بغية قطع الطريق امام جولة جديدة من التأزم داخل حكومة الوحدة الوطنية». واعتبرت المصادر عينها ان القمة السعودية - السورية «يمكن ان تحقق خطوة كبيرة باتجاه إحداث اختراق جديد يعيد التواصل بين القيادة السورية والحريري»، فيما أمل جنبلاط في خطاب ألقاه في جولته أمس على عدد من القرى في الجبل، بأن يخرج اللقاء «التاريخي والاستثنائي» بين الرئيس الأسد والملك عبدالله بنتائج إيجابية، وقال إنه يعتقد ويجزم بأنه «سيخرج بنتائج إيجابية في النهاية لمصلحة الوطن العليا فوق بعض الجروح لو كان بعضها صعباً». لذلك، لم تستبعد المصادر الوزارية عقد القمة بين سليمان والأسد في أي لحظة قبل غد الأربعاء، «خصوصاً ان التواصل بينهما مستمر وكانا اتفقا على لقاء قريب في اتصالهما في نهاية الأسبوع الفائت». وبالعودة الى لقاء فيلتمان وسليمان، أصدر الأول بياناً جاء فيه: لقد خرجت للتو من اجتماع بفخامة رئيس الجمهورية ميشال سليمان وكان لنا نقاش مثمر للغاية حول الوضع الراهن في لبنان. انضممت الى السفيرة كونيلي لتسليم رسالة من الرئيس أوباما أكدت التزام الولاياتالمتحدة الأميركية الثابت بتطور لبنان مستقل وذي سيادة مع مؤسسات دولة قوية وفعالة. إن الولاياتالمتحدة ملتزمة مساعدة لبنان في بناء مؤسسات قوية من خلال برامجنا للمساعدات في مجالي الأمن والاقتصاد. إن لبنان قوياً، ومستقراً وذا سيادة هو من المصالح الحيوية للشعب اللبناني والمنطقة والولاياتالمتحدة الأميركية والمجتمع الدولي، ونحن قلقون إزاء أي عمل من شأنه ان يقوض هذه السيادة والاستقرار». وأضاف ان «الرئيس أوباما يدعم بقوة عمل المحكمة الخاصة بلبنان، أسوة بالمجتمع الدولي. إن المحكمة مؤسسة غير سياسية ومستقلة وقد تم تشكيلها بموجب اتفاق بين الأممالمتحدة وحكومة لبنان لوضع حد لحصانة الاغتيالات السياسية في لبنان، ونحن نعتقد بأنه يجب ان يسمح للمحكمة بأن تستكمل عملها بحسب توقيتها من دون تدخل خارجي الى ان يمثل المسؤولون عن اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري وغيره من الشخصيات أمام العدالة». ولفت الى ان «لا صفقة على المحكمة، ومتأكدون من إنها ستقوم بعملها على أكمل وجه، وسندعمها لكن لن نتدخل فيها». وعن زيارة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد الى لبنان قال فيلتمان: «هذه الزيارة رسمية وهي شأن داخلي»، لكنه تمنى ان يكون نجاد «تعلّم شيئاً من حرية التعبير والانفتاح الموجودين في لبنان». وبشأن المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين قال فيلتمان «كلنا نريد السلام لكن آمل بأن يركز اللبنانيون على لبنان وعلى حاجاتهم الخاصة». الى ذلك، فإن سليمان على موعد مع الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي السبت المقبل على هامش عقد القمة الفرنكوفونية في سويسرا. ويأتي هذا الاجتماع قبل أيام من استقبال الرئيس الفرنسي رئيس المجلس النيابي نبيه بري في زيارته باريس في 26 الجاري. وتولي فرنسا أهمية لزيارة بري والتحدث إليه «باعتباره يمثل الرؤية الوسطية في لبنان ويحرص على ألاّ تحصل مواجهة بلغة السلاح، وقدم نفسه كسياسي تلجأ إليه القوى المتنازعة»، لكنها ترى في الوقت نفسه ضرورة «ألاّ يكرر ما قام به قبل اتفاق الدوحة عندما أقفل البرلمان». وتتمنى باريس، وفق مصادر مطلعة، ان يلعب بري الى جانب جنبلاط دوراً من اجل الوصول الى تفاهم بين اللبنانيين «لأن من غير المقبول القول إما الحرب أو الغاء المحكمة الدولية».