لا يزال البعض يعيشون في سنة 11 للهجرة، وهي السنة التي تُوفي فيها رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم»، ولا تزال أحداث «السقيفة» حية في أذهانهم وتنعكس على تصرفاتهم، فيحاولون إعادة الناس إلى ذلك اليوم الذي افترقتْ فيه الأمة، إنهم يريدون هداية المسلمين وإرجاعهم إلى «طريق السلف الصالح»، أو «منهج أهل البيت»، أو غيرها من المزاعم التي لم نجنِ من ورائها إلا تأصيل الفرقة وحال الحنق لدى كل مذهب على المذهب الآخر. يبدو أن كل واحد من هؤلاء الدعاة يعتقد أنه يمسك بالقرآن الكريم في يد، ومفتاح الجنة في اليد الأخرى، وأن الملائكة الكرام يسندونه، فيشن حربه على أصحاب المذهب المخالف له، وكأنه لا يعلم أنه إنما يهاجم إخواناً له في الدين أو جيراناً له في الوطن، ويا حبذا لو حاولوا أن يكونوا دعاة لدينهم ومعتقداتهم بغير ألسنتهم، أو على الأقل أن يعلموا الناس التسامح، وأن ينشروا ثقافة قبول الآخر كما هو، فإن صلاح أمر الناس التعايش، وليس إجبار الآخر على ترك ما عنده واتباع ما عندي. أما من يدعو إلى «الوسطية» فيقول إن السُّنة منذ مئات السنين قالوا كل ما عندهم، وكذلك قال الشيعة كل ما عندهم، بل إن الكتب التي وضعت في السجال المذهبي بين السنة والشيعة أكثر من الكتب التي وضعت في التعريف بالإسلام لغير المسلمين. لقد مات رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» وانتهى اجتماع «السقيفة» منذ 1400 عام، فمن الأفضل لكم أن تعيشوا حاضركم، وأن تتركوا تقليب مشكلات الماضي، فإلى متى هذا الجهد الضائع، وهذا القلق بين أتباع المذهبين. نحن لا نطلب من الشيخ «العرعور» أو السيد «الحيدري» أن يظهروا على الفضائيات، وأن يقوموا بالترفيه عن الناس على طريقة هيفاء وهبي، وإنما نرجو منهما الكف عن ترديد ما في الكتب القديمة، التي وضعت لزمان غير زماننا، ولعقول غير عقولنا.